فصل: النظر الثاني: في أحكامها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجعالة

وهي من الجعل‏.‏ والجعل في اللغة - بفتح الجيم - له خمسة معان‏:‏ بمعنى صير نحو جعلت الطين خزفا؛ وسمى نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إِناثا‏)‏ أَي سموهم؛ لأن سلطان المشركين إِنما هو على الأَسماء دون الذوات؛ وبمعنى خلق نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وجعل الظلمات والنورَ‏)‏ أَي خلقهما، وبمعنى أَلقى نحو جعلت متاعك بعضه على بعض أَي أَلقيته، وبمعنى قارب الفعل ولم يشرع فيه نحو جعل يقول كذا‏.‏

والجعالة من فعل أَي التزم مالا لمن يأْتي بعبده الآبق أو نحو ذلك، وأَنكره جماعة من العلماء لغروره‏.‏ وأَصله قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولمن جاء به حمل بعير

وأَنا به زعيم‏)‏ ولمساقاته عليه السلام أَهل خيبر وهي جعالة؛ لأن المساقي إِن كمّل أَخذ وإلا فلا شيء له‏.‏

ثم النظر في أَركانها وأَحكامها‏:‏

النظر الأَول‏:‏ في أَركانها

وهي أَربعة‏:‏

الأَول والثاني‏:‏ المتعاقدان، وفي الجواهر‏:‏ لا يشترط فيهما إلا أَهلية الاستئجار والعمل، ولا يشترط تعيين المجعول له تكميلا لمصلحة العقد، بل لو قال من جاء بعبدي فله دينار صحَّ؛ فإن أحضره قبل أَن يجعل فيه شيئا وعادته طلب الآبق والاكتساب بذلك فله أجر مثله في قدر تعبه وسفره، وإلا فله نفقته فقط - قاله أصبغ وعبد المالك، وعن عبد الملك عدم النفقة أيضا‏.‏

وقال ‏(‏ش‏)‏ الرَّادُّ للآبق ابتداءً متبرع لا شيء له - كان شأْنه رد الآبق أم لا، وكذلك إِن أذن ولم يسمع أو يأذن فضولي يقول‏:‏ قال فلان‏:‏ من ردّ عبدي فله كذا، ولا شيء على المالك ولا عليه‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏ له الأجر في العبد دون سائر الضوال إذا رده من دون ثلاثة أيام أجرة المثل أو أكثر من ثلاثة أيام وليس معروفا برد الأباق لم يستحق شيئا أو معروفا بذلك فأربعون درهما استحسانا، إلا أن تكون قيمته أقل، وقال أحمد‏:‏ له دينار كان معروفا أم لا‏.‏ واحتج أصحابنا والحنفية بما روى ابن أبي مليكة أنه عليه السلام قال‏:‏ من رد آبقا فله عشرة دراهم‏.‏ وفي لفظ آخر أنه جعل لمن جاء بآبق خارج الحرم دينارا‏.‏ وعنه عليه

السلام إنه قال في الآبق أربعون درهما‏.‏

وهي أحاديث ضعيفة، ولأن العادة كالشرط بدليل النقود في المعاملات وتعين الأعمال في الإجارات ونفقات الزوجات‏.‏

قاعدة‏:‏ مذهبية‏:‏ من فعل لغيره فعلا ما شأنه فعله من مال أو عمل لزمه ذلك المال وأجرة ذلك العمل كان واجبا كأداء الدين أم لا كحلق الرأس وغسل الثوب، وإن كان شأنه فعله بنفسه أو عبده أو هو ممن يسقط عنه ذلك المال لم يلزمه شيء، وقال ‏(‏ش‏)‏ لا يلزم في ذلك كله شيء‏.‏

لنا القضاء بالعوائد كما تقدم تقريره، فنفقة الآبق تجب بناء على الملك، ولا تجب قياسا على الغيبة، وليس شأن الناس الإنفاق على الآبق فاختلف فيها، وشأن الناس طلب الآبق فوجبت الأجرة، إلا أن تكون قرينة تدل على التبرع من كونه ليس شأنه ذلك، وقال اللخمي‏:‏ لو لم يسمع الآتي بالآبق قول سيده من جاءني به فله كذا لم يكن له شيء إلا أن يكون شأنه الإتيان بالآبق، فله جعل مثله، كما لو جاء به قبل القول، وجعل له ابن حبيب بعد القول الجعل سمع أم لا - كان ذلك شأنه أم لا، قال‏:‏ وهو أحسن - إذا قال‏:‏ لم أتطوع، وله الأقل من المسمى أو جعل مثله؛ فإن جاء به من سمع قول سيده وقال لم أعمل على قول السيد؛ لأن لي طلب ذلك، وإنما استفدت من قوله إن العبد آبق؛ حلف

وأخذ جعل مثله - إن كان أكثر من المسمى، فإن طلب من يعلم موضعه فلا شيء له؛ لأن ذلك واجب عليه - قاله ابن حبيب، وقال ابن القاسم‏:‏ يعطى بقدر تعبه، وهو أحسن إن كان سيده لا يخرج له بنفسه، وإلا فلا شيء له؛ لأنه لم يوفر على السيد شيئا‏.‏

الركن الثالث‏:‏ العمل، وفي الجواهر‏:‏ هو كل عمل يجوز الاستئجار عليه لكن لا يشترط كونه معلوما تحصيل مصلحة العقد، احترازا ممن وجد آبقا أو ضالا بغير عمل فلا جعل له، وممن عرف مكانه فدل عليه؛ لأن ذلك واجب عليه، ويشترط أن لا تحصل للجاعل منفعة إلا بتمام العمل؛ قال القاضي أبو محمد‏:‏ ويمتنع في الشيء الكثير لما فيه من الغرر بذهاب العمل الكثير باطلا، وقال أبو الوليد بن رشد‏:‏ لا يشترط ذلك ويمتنع إلا في غير المقدر من الأعمال بزمن، فمتى قرر لم يكن جعلا بل إجارة، قال ابن بشير في نظائره‏:‏ للجعالة أربعة شروط‏:‏ أن يكون الجعل معلوما غير منقود وليس فيها منفعة للجاعل إلا بتمام العمل، ولا يضرب للعمل أجل‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏ لا يشترط في العمل العلم ولا الجهل، ويمنع في الدلالة على المال؛ لأنها واجبة شرعا، ولا بد أن يكون الجعل معلوما‏.‏

قاعدة‏:‏ تعرف بجمع الفرق وهي أن يكون المعين في نظر الشرع

يقتضي حكمين متضادين كوصف السفه يقتضي إبطال التصرفات المالية صونا لمال المحجور عليه على مصالحه، ويقتضي تنفيذ وصاياه صونا لماله على مصالحه لئلا يأخذه الوارث، فصار السفه يقتضي التنفيذ والرد، وكذلك كون العمل غير معلوم يقتضي بطلان الإجارة لئلا تذهب الإجارة مجانا فهو غرر، ويقتضي أن يكون شرطا في الجعالة؛ لأنه لو قدر أدى ذلك لضياع عمل المجاعل بانقضاء المدة قبل وجود الضال، وإذا كان غير مقدر يزيد المجاعل في الطلب فيجد الضال ولا يذهب فيه تعبه باطلا فصارت جهالة العمل تقتضي الصحة والبطلان، وفي الكتاب لا يشترط فيه التأجيل، فمن قال‏:‏ بع ثوبي ولك درهم جاز - حد في الثوب ثمنا أم لا؛ فإن قال‏:‏ اليوم أمتنع إلا أن يشترط أن يترك متى شاء، لئلا يذهب عمله باطلا لتعذر البيع فيه، وإن باع في نصفه، أخذ الجعل كاملا ويسقط بقية اليوم فهو خطر، فلا يكون الجعل مؤجلا‏.‏

واشترطه ‏(‏ح‏)‏ قياسا على الإجارة‏.‏ وجوابه ما تقدم؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولمن جاء به حمل بعير‏)‏ ولم يقدر أجلا، ولا يجوز الجعل على بيع كثير السلع والدواب والرقيق كالعشرة الأثواب، ولا على ما فيه مشقة فيبقى في القليل لاحتمال ضياع كثرة العمل دون المقصود قبل ذلك ويجوز في القليل في البلد؛ لأنه لا يقطعه بيع ذلك عن شغله، فإن باع أخذ وإلا فلا شيء له، قال صاحب التنبيهات أجاز الجعل على اليسير كالثوبين، قال بعضهم‏:‏ مشروط بأن يسمى لكل ثوب جعله - كما قيل

في الآبقين، وفيه من الخلاف ما فيهما، وقيل‏:‏ يجوز في القليل والكثير فيما لا يبقى للجاعل فيه منفعة بعد تمامه؛ لأنه الأصل، ومعنى قوله في الكتاب لا يصح في الثياب الكثيرة‏.‏ أنه لا يأخذ شيئا حتى يبيع جميعها، وإما إن أخذ بقدر ما باع فجائز، ومعناه أنه سمى لكل ثوب شيئا أو كانت متساوية القيم، أو قال على أن تقبض الأجرة على العدد، ولو كان على القيم امتنع لجهالتها، والأصل أن ما يعرض للبيع كالرقيق ونحوه يمنع الجعل إلا في اليسير كالواحد والاثنين حتى لا يشتغل المجاعل عن مصالحه، وما لا يعرض للبيع ولا ينقل كالدور ونحوها يجوز فيها الجعل، وكذلك الجعل في عمل الأيدي جائز، قال اللخمي‏:‏ إن كانت ثيابا كثيرة في بيت صاحبها ويأتي السمسار بمن يشتريها ويأخذ منها ثوبا يعرضه ليبيع به جميعها، أو تنقل إلى دكان السمسار فيبيعها فيه أو يستأجر صاحبها من يحملها له وقت العرض، أو يقول بع أيها شئت جاز، لعدم التعرض لضياع العمل الكثير على المجاعل، ويلزم على المذهب منع الجعل في الآبق لطوله وحصول المنفعة للجاعل بكشف تلك المواضع إذا لم يجده، ومنع المغارسة؛ لأنها تطول وقد لا يحصل له شيء لعدم حصول المقصود، مع أنهم أجازوها، وأجازوا الجعل على السفر من المشرق إلى المغرب على البلاغ أن وصل أخذ وإلا فلا شيء له وهو جعل، إلا أنه واجب عليهما، ويجوز عند

مالك وأصحابه الجعل على الشراء الحاضر وعلى السفر قليلا أو كثيرا، بخلاف البيع مع أنه لا فرق بينهما مع أن ابن حبيب قد قال‏:‏ إذا قال‏:‏ إن ابتعت لي بهذه المائة في البلد الفلاني كذا فلك كذا، وإلا فلا شيء لك إن كان خروجه له وللمائة جاز وإلا امتنع إلا بأجل مؤقت، وأجرة معلومة وهو أحسن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب كل ما جازت الجعالة فيه، جازت الإجارة عليه، وليس كل ما تجوز الإجارة عليه يجوز الجعل فيه؛ لأن الإجارة تجوز على كثير السلع والطعام بخلاف الجعالة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب تجوز على ثياب يشتريها له نصفها له فيلزمه ما يشبه تجارته‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ الجعل على الآبق جائز علم المجعول له موضعه أم لا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ما عصرت من زيتوني فلك نصفه يمتنع؛ لأنه لا يدري

كيف يخرج ولا يقدر على الترك إذا شرع، فليس كالحصاد يتركه متى شاء، ويجوز كل قفيز بدرهم؛ لأنه معلوم بالكيل ويعلم صفته بالفرك للسنبل وتأخر درسه إلى عشرة أيام قريب للضرورة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يُكره على الخصومة على أنه لا يأخذ إلا بإدراك الحق وله أجرة مثله إن فعل، وعن مالك الجواز، قال اللخمي‏:‏ المعروف المنع إلا فيما قل حتى إذا ترك قبل التمام لم ينتفع الجاعل بشيء، أما إذا طال وانتفع الجاعل بالحجاج فلا، فإن وكل آخر فأتم الخصومة، هل يكون للأول بقدر ما انتفع الطالب من عمله خلاف‏؟‏ وقال مالك‏:‏ إذا كان الجعل على ثلث ما يقتضي من ذلك فصالح الجاعل المطلوب على أخذ الثلثين وتأخير الثلث وأراد أخذ ثلث ما أخذ ويكون في الباقي على شرطه جاز، وإذا قال الأجير لا أجيز تأخير رب الحق بالثلث حتى آخذ ثلثه، لزم الغريم ذلك، كما لو أسقط رب الحق الدين لأسقط حصة الأجير، قال‏:‏ وأرى إذا كان الجعل بعد خصومة؛ لأنه إذا شرع في الخصومة ليس له عزله، فإن رضي الوكيل بالتأخير، وإلا رد الصلح وكان للوكيل أن يخاصم حتى يثبت الحق، قال ابن يونس في كتاب محمد الجواز إذا وصف له أصل الحق وكيف هو عليه‏؟‏ قال ابن القاسم إن ادعى أنه مقصر في حججه نظر السلطان إن وجده كذلك فسخ العقد، وكذلك إذا لم يضرب للخصومة أجلا وترك الطلب وأضر ذلك، وفي النوادر إذا مات المجعول له قبل أن يتقاضى من

الدين شيئا لا شيء لورثته، كالعامل يموت قبل الشغل لعدم تعين الحق له، وإنما يستقل لهم ما تعين له، وإلا فلا شيء لهم، وإن مات الجاعل فلا شيء للمجعول ولا لورثته إلا بتمام العمل، إلا أن يشاء ورثة الجاعل؛ لانتقال الحق لهم، أو مات الذي عليه الحق، فللمجاعل جعله في التقاضي، ولا يجاعل على تخليص الميراث إلا أن يكون معروفا‏.‏ ولا على الأخذ بالشفعة على أن له نصف الشقص، ولو أجزناه في الدين؛ لأنه بيع ما لم يملك، ويجوز ما قضيت من الدين فلك ربعه إذا عرف الدين؛ لأنه قد ينفق في سفره أكثر من الدين، ويمتنع في طعام من سلم؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس استخف مالك أن يجاعله على أن يدله على من يبيع منه أو يشتري أو يستأجر، ودلالة الرجل على من يتزوج أو المرأة ممنوع، ولاشيء له إن فعل؛ لأن النكاح لا بيع فيه ولا كراء، وإنما يكون الجعل يكون ذلك، وجوزه عبد الملك لعموم المنفعة، وأما إن قال‏:‏ اسع لي في زواج بنت فلان أجازه ابن القاسم إن لم يكن فيه سفر، لئلا يضيع تعبه، وجوز ابن حبيب الجعل في الدلالة على الطريق وانتقاد المال‏.‏

الركن الرابع‏:‏ الجعل، وفي الجواهر شرطه أن يكون معلوما مقدورا كالأجرة ويمتنع بنصف الآبق للغرر، وله أجر مثله - وقاله الأئمة قال ابن يونس قال مالك‏:‏ يمتنع، بعه ولك من كل درهم كذا إذا لم يسم ثمنا، فإن قال‏:‏ إن بعته بعشرة فلك من كل درهم سدسه جاز، فإن باعه بأكثر، فليس له إلا

سدس العشرة، كأنه قال بعه بعشرة ولك سدسها، ولو قال فما زاد فبحسابه، فسد للجهالة، ويمتنع بيعه بأقل من عشرة؛ لأنه الشرط، وإذا قال لك‏:‏ من كل درهم سدس فباع فله جعل مثله، لبطلان العقد، ولو قال لك الجعل بعته أم لا، قال ابن حبيب يمتنع؛ لأنها إجارة فاسدة وله أجرة مثله، قال محمد‏:‏ كل جعل فاسد ففيه إجارة المثل‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود المستثنيات من أصول إذا فسدت هل ترد إلى صحيح نفسها فيما يستحق؛ لأنه الأصل، أو صحيح أصلها؛ لأن الشرع استثنى الصحيح من ذلك الأصل إذا كان شرعيا، والفاسد لم يستثن فيرد إلى الأصل الأول المستثنى منه، وهذا كفاسد المساقاة والقراض، والجعالة فيها قولان، قال ابن يونس‏:‏ يمنع إذا بعت فلك درهم، وإلا فلك نصف درهم، له أجرة مثله باع أم لا، وقيل‏:‏ إن باع فله أجر مثله‏.‏ وإلا فلا شيء له لعدم العمل وفساد العقد‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يجوز السكوت على الجعل إذا كان معلوما عادة لتعيين النقد بالعادة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يجوز على كل دابة يشتريها دينار، وله رد المال متى شاء ولا يضمنه؛ لأنه أمين‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إن جئتني بالعبدين الآبقين فلك دينار يمنع، فإن أتى بأحدهما فله أجرة المثل، وقال ابن نافع نصف دينار نظرا للرضى بالتسمية، قال اللخمي‏:‏ وقال أشهب‏:‏ يقسم على قدر القيم يوم الإباق؛ لأن الجعل إنما يدل على ما يعرف منه يوم الإباق، والمشهور أبين؛ لأنهما لم يدخلا على أن الجعل على العدد أو القيم، ولو جعلاه على القيم لفض، أو على العدد لقسم نصفين وهو أخف من جمع الرجلين سلعتهما، وإن قالا يوم الوجود فسد اتفاقا، للجهل بحالة الوجود حينئذ، ولو سمى لكل عبد جعلا مختلفا على قدر قيمته والمجعول له يعرفه جاز، وإلا فقولان لمالك ورجع للمنع؛ لأنه قد يقبض أحد العبدين ويكون المراد غيره، فإن استوى الجعل واختلت القيم فله قولان أيضا، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إنما يجوز الجعل على الأعداد لا على القيم، فعلى هذا تجوز المسألة؛ لأن حصة من يأتي به معلومة، والخلاف إنما يجري حيث أبهم اللفظ‏:‏ لو قال‏:‏ إن جئت بهما فلك دينار وإلا فلا شيء لك امتنع اتفاقا، لئلا يبقى للجاعل ما ينتفع به، وأجاز مالك‏:‏ لك في كل ثوب تبيعه درهم، ومنع في كل دينار درهم، وأجاز في كل آبق يأتي به دينار إذا سمى عددهم‏.‏ وقال ابن يونس لا تشترط التسمية‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يجوز الجعل مضمونا ويمتنع ضرب الأجل؛ لأنه قد يحل قبل وجود الآبق، فإن جعلا مبدأ الأجل بعد وجوده جاز، فإن كان الجعل عينا

معينة امتنع، وللجاعل الانتفاع بها ويغرم المثل إذا أتى بالعبد، وإن كان مكيلا أو موزونا لا يخشى تغييره إلى وجود الآبق أو ثوبا جاز ويوقف، وإن خشي تغييره كالحيوان امتنع للغرر‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يجوز حصاد الزرع وجد النخل والزيتون بنصفه وليس له تركه؛ لأنها إجارة وبيع نصفه إن قال‏:‏ افعل ولك ذلك، وإن قال‏:‏ فما حصدت فلك نصفه فهو جعل، ولَه الترك متى شاء ومنع غيره هذا التوهم لجهالة في المعمول والمأخوذ، ويمتنع‏:‏ فما حصدت اليوم فلك نصفه، لامتناع بيع ذلك، إلا أن يشترط الترك متى شاء، بخلاف ضرب الأجل، ويمتنع انفض الشجر بنصف ما ينتفض للجهالة، ويجوز انفضه كله ولك نصفه، لجواز بيع نصفه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ استدل بعضهم بحصاد الزرع بنصفه على جواز بيعه محصودا، وهي رواية أشهب عن مالك، ورواية ابن القاسم‏:‏ المنع وليس كذلك؛ لأنه وجب له بالعقد لا بالحصاد؛ لأن الهالك منه قبل الحصاد وبعده من الأجير، وهو باع منافعه بنصف الزرع، فهو يحصد لنفسه وذلك النصف هو المبيع قائما لا محصودا، قال صاحب النكت‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا حصده أو نفضه فاحترق فمنهما وعليه حصد مثل بقي عليه، قال سحنون‏:‏ عليه قيمة نصف الزرع دون حصاد مثل نصفه؛ لأن الزرع يختلف، ولو قال‏:‏ فما حصدت فلك

نصفه، وضمان ما حصد منه وما لم يحصد من ربه، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء؛ لأنها جعالة، ولو قال‏:‏ احصده وادرسه وصفه ولك نصفه، فهلك بعد حصاده فضمانه كله من ربه، وللأجير أجرة مثله لفساد الإجارة‏.‏ قال ابن يونس عن مالك‏:‏ منع ما لقطت اليوم فلك نصفه - وإن اشترط الترك متى شاء‏.‏ قال اللخمي‏:‏ يمتنع احصده وادرسه ولك نصف ما يخرج؛ لأن الخارج مجهول بخلاف على النصف؛ لأن النصف الآن على هيئته وهو شريك يحصد ويدرس لنفسه‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا حملت الدابة قبل عمل فيها ثم طلبت الجعل يمتنع؛ لأنها صارت أمانة، والأمانة لا يؤخذ عليها جعل‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر تجوز المجاعلة على بناء طاحون ولَه نصفها، وعلى إصلاح القناة سنة، وعلى بناء الدار بصفة معلومة بسكناها سنة؛ لأن ذلك متقارب عادة‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في أحكامها

وفي الكتاب هي على الجواز للمجاعل الترك متى شاء وفي الجواهر هي جائزة من الجانبين ما لم يشرع في العلم كالقراض، ولأنها معلقة على شرط فأشبهت الوصية، فإن شرع فمن جانب الجاعل خاصة‏.‏ وحكى اللخمي قولين آخرين‏:‏ إنها تلزم بالقول في حق الجاعل خاصة دون المجعول له، وإنها كالإجارة تلزمهما بالقول، وبالجواز من الجانبين قال ‏(‏ش‏)‏‏.‏ قال ابن يونس في كتاب ابن حبيب‏:‏ تلزم الجعالة بالعقد قبل العمل، ولا تلزم

المجعول له‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود قسمان، منها ما يستلزم مصالحها التي شرعت لأجلها، فشرعت على اللزوم – كالبيع، والهبة، والصدقة، وعقود الولايات، فإن التصرف المقصود بالعقد يمكن عقيب العقد، وهذا القسم هو الأصل؛ لأن الأصل ترتب الأحكام على أسبابها، ومنها ما لا يستلزم مصلحته كالجعالة، فإن رد الآبق قد يتعذر فشرعت على الجواز ولكل واحد من المتعاقدين فسخ العقد على نفسه، لئلا يلزمه ما لا يتعين مصلحته، ومن هذا القسم القراض‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران خمس مسائل لا تلزم بالعقد‏:‏ الجعالة، والقراض، وقال ابن حبيب‏:‏ يلزم، والمغارسة، والوكالة، وتحكيم الحاكم ما لم يشرعا في الحكومة، وقيل‏:‏ يلزمهما‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قول مالك للمجعول له الترك متى شاء ولا شيء له، معناه إلا أن ينتفع الجاعل بما عمل مثل حمل خشبة إلى موضع فيتركها في بعض الطريق، أو حفر بئر فيحفر بعضها فيستأجر المالك على الباقي فيكون للثاني أجرة وللأول بقدر ما انتفع الجاعل، ويحط عنه من أجرة الثاني لئلا يكون أكل المال بالباطل، وفي المستخرجة لو كان جعل الأول خمسة وبلغها النصف وأجرة الثاني عشرة فللأول عشرة لفعله مثل الثاني، قال وفيه نظر، فإن الجعل يجوز مع الغبن والإجارة قد تغلو بعد ذلك‏.‏

فرع‏:‏ قال مالك‏:‏ المجاعل على البيع والشراء ليس عليه ضمان الثمن ولا السلعة؛ لأنه كالوكيل وله جعله إن ضاعا

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ الجعل على البيع ثلاثة أقسام‏:‏ يسمى الجعل أو الثمن، ولا يسميهما، ويقول بع بما رأيت وإن لم تبع فلا شيء لك منها فهذان جائزان، والثالث‏:‏ بعته أم لا فلك درهم يمتنع إلا بضرب الأجل؛ لأنه إجارة، فإن قال‏:‏ فإن لم تبع، فلك أقل من درهم، امتنع للجهل بالجعل‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا قال‏:‏ لا تبع إلا بإذني فسد للحجر، والأشبه رده للإجارة الفاسدة، كان المطلوب الإشهار فقط، فإذا وصل القيمة فله أجر مثله؛ لأن المقصود قد حصل، وإن أشهر بعد الإشهار وفطن به ففسخ، فهل له بقدر عمله أو لا شيء له بناء على أنها إجارة فاسدة أو جعالة، قال اللخمي‏:‏ إذا أدركت الجعالة الفاسدة قبل الشروع فسخت أو بعده مكن من التمادي على القول بأن الجعالة الفاسدة ترد إلى الجعالة الصحيحة دون الإجارة؛ لأن فسخها قد يذهب بعمله باطلا، وإن رددناها للإجارة فله من الأجرة بقدر عمله، والأول أحسن، فلا يمنع من التمادي، فإن أتى من الثمن بما تباع به فله جعل المثل باع الجاعل أم لا، وإلا فلا شيء له، فإن سمى ثمنا فوصله استحق وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ نفقة الآبق على المجعول له وله الجعل فقط؛ لأن الجعل قبالة إحضاره مكفي المئونة وقاله ‏(‏ش‏)‏‏:‏ ولو قال إذا لم آت به فلي

النفقة ففاسد، فإن جاء به فجعل مثله، وإلا فلا شيء له - قاله ابن القاسم، وقال أيضا‏:‏ إن لم يجده فأجرة المثل، فرده إلى الإجارة الفاسدة لما جعل له شيئا ثابتا على كل حال‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إن هرب الآبق في الطريق أو ليلة قدومه على سيده، سقط الجعل والنفقة، لعدم التسليم وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا جعل في عبده لرجل عشرة ثم لآخر خمسة فأتيا به، فالعشرة بينهما أثلاثا؛ لأنها بنسبة الخمسة إلى العشرة وهو قد رضي بالعشرة، قال ابن نافع‏:‏ لكل واحد منهما نصف جعله؛ لأنه الذي رضي به ويقع التشطير بالمناجمة، قال صاحب النكت‏:‏ إن جعل لأحدهما عرضا وللآخر عشرة فعلى قول ابن نافع لصاحب العرض نصفه، وللآخر نصف العشرة، وعلى قول ابن القاسم يقوم العرض، فإن ساوى خمسة فلصاحب العشرة ثلثا العشرة ويخير الآخر بين ثلث العشرة أو ما قابل ذلك من العرض وهو ثلثا ذلك العرض‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا تعيب العبد قبل الوصول عيبا لا يساوي الجعل، أو قبل وجدانه، قال مالك‏:‏ له الجعل كاملا؛ لأنه أتى به، وكذلك الاستحقاق

وظهور الحرية، وقال أصبغ‏:‏ لا شيء له في الحرية الأصلية؛ لأنه غير المجعول عليه، قال محمد‏:‏ ويرجع في الاستحقاق على المستحق بالأقل من ذلك أو جعل مثله؛ لأن من أتى بآبق له جعله، قال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا شيء على المستحق بأقل من ذلك، قال‏:‏ وهو الأقيس، إلا إن كان المستحق يطلبه بنفسه‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ إذا هرب الآبق منه فترك العمل فجاء على غيره بعد عوده إلى موضعه الذي أخذ منه، أو قريب منه لم يكن للأول شيء، وإن أخذه في الموضع الذي وصل إليه الأول، أو قريب منه وقد جعل للثاني جعل موضع الهرب، فللأول بقدر ما انتفع سيده، وإن جعل للثاني طلبه حيث يجده - قرب أو بعد وكان الجعل فيه الآن مثل الجعل الأول لم يكن للأول شيء وإن كان الثاني أقل؛ لأنه لا يطلبه إلا في الموضع القريب، والأول بقدر ما انتفع، قاله‏:‏ ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر من أخذ آبقا فأرسله عمدا ضمنه؛ لأنه متلف لمال معصوم‏.‏

فرع‏:‏ قال فإن أتلف منه قريبا فجاء به آخر، قال مالك‏:‏ الجعل بينهما‏.‏

فرع‏:‏ قال تجوز الزيادة والنقصان في الجعل قبل فراغ العامل‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إن أنكرت سعي العامل في الرد صدقت؛ لأن الأصل عدم السعي، أو تنازعتما في مقدار الجعل تحالفتما وله جعل المثل‏.‏

تنبيه‏:‏ قال‏:‏ تردد بين الجعالة والإجارة الطبيب على البرء، وتعليم القرآن، واستخراج المياه من الآبار والعيون، والمغارسة، وكراء السفن، وكذلك اختلف هل هي على البلاغ كالجعالة أم لا، وهذا التردد منشأ الخلاف في هذه الفروع‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر لو جعل على تقاضي الغريم فأبرأه أو أخره بعد شروع المجاعل في التقاضي، أو جعل في آبق فأعتقه بعد الشروع، فللمجاعل الجعل؛ لأن المنع من قبل الجاعل وان لم يشرع فلا شيء له‏.‏

‏(‏كتاب القراض‏)‏

وفيه مقدمتان وبابان، المقدمة الأولى في لفظه، وله اسمان‏:‏ القراض، والمضاربة، أما لفظ القراض فقال صاحب العين‏:‏ أقرضت الرجل إذا أعطيته ليعطيك، فالمقارض يعطي الربح كما يعطي المقترض مثل المأخوذ‏.‏ وقال غيره‏:‏ هو من المقارضة وهي المساواة، ومنه تقارض الشاعران‏:‏ إذا استويا في الإنشاد؛ لأنهما يستويان في الانتفاع بالربح، وقيل‏:‏ من القرض الذي هو القطع، ومنه قرض الفأر الثوب؛ لأنك قطعت من مالك له قطعة، وهو قطع لك جزءا من الربح الحاصل بسعيه، ويسمى مقارضا، مع أن المفاعل لا يكون إلا من المفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين نحو المخاصمة والمضاربة، إما لأن كليهما يساوي صاحبه في الربح، ويقطع له مما تحت يده، أو لاشتراكهما في العقد على سبيل المجاز من باب التعبير بالمتعلق، أو هي من الصيغ التي لا تقتضي الشركة، نحو المسافر، وعافاه الله، وطارقت النعل إذا جعلته طاقا على طاق، فأما لفظ المضاربة، فإما إن كليهما يضرب في الربح بنصيب، وإما من الضرب في الأرض الذي هو السفر، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله‏)‏‏.‏

قال ابن عطية في تفسيره‏:‏ فرق بين ضرب في الأرض وضرب الأرض‏:‏ أن الأول للتجارة، والثاني للحج والغزو والقربات، كأن المسافر للتجارة منغمس في الأرض ومتاعها فقيل‏:‏ ضرب فيها وللمتقرب إلى الله عز وجل بريء من الدنيا فلم يجعل فيها، ويسمى مفاعلة على أحد التأويلات المتقدمة في المقارض، والمقارض بالكسر‏:‏ رب المال، وبالفتح العامل، والمضارب بالكسر، العامل عكس الأول؛ لأنه الذي يضرب بالمال، قال بعض اللغويين‏:‏ وليس لرب المال اسم من المضاربة بخلاف القراض‏.‏

المقدمة الثانية في مشروعيته، وأصله من الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأحلَّ اللّه البيع‏)‏، وهو بيع منافع بجزء من الربح، ومن عمل الصحابة - رضوان الله عليهم - ما في الموطأ‏:‏ أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر - رضوان الله عليهم - خرجا في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال‏:‏ لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به، ثم قال‏:‏ بلى ههنا مال من مال الله تعالى أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، فقالا‏:‏ وددنا، ففعل وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال عمر‏:‏ أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما‏؟‏ قالا‏:‏ لا، فقال عمر‏:‏ أبناء أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه‏.‏ فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال‏:‏ ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص المال أو هلك لضمناه، فقال عمر‏:‏ أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر يا أمير

المؤمنين لو جعلته قراضا‏؟‏ فقال عمر‏:‏ قد جعلته قراضا، فأخذ عمر المال ونصف ربحه، وأخذ أبناؤه نصف الربح، ويقال‏:‏ الرجل عبد الرحمن بن عوف‏.‏ سؤال كيف يمكن جعله قراضا بعدما كان قرضا، وإلزام ذلك في القرض خلاف الإجماع، وأكل المال بالباطل؛ لأن الربح ملك للمقترض إجماعا، فأخذه منه غصب، جوابه قال الطرطوشي في سراج الملوك‏:‏ جعل عمر - رضي الله عنه - انتفاعهم بجاه العمل للمسلمين له نصف الربح، كأن المصلين ساعدوهما في ذلك، وهو مستنده في تشطير عماله في أموالهم فهو كالقراض‏.‏ سؤال‏:‏ أبو موسى حكم عدل وقد تصرف بوجه المصلحة؛ لأن المال يصير مضمونا في الذمة فهو أولى من بعثه على وجه الأمانة، مضافا إلى إكرام من ينبغي إكرامه، فهو تصرف جامع للمصالح، فيتعين تنفيذه وعدم الاعتراض عليه، جوابه‏:‏ أن عدم التعرض إنما هو بين النظر من الأمراء، أما الخليفة فله النظر في أمر نوابه وإن كان سدادا أو تقول كأن في هذا التصرف تهمة تتعلق بعمر بسبب أنه إكرام لابنيه، فأراد إبطالها والذب عن عرض الإمامة بحسب الإمكان، وفي الموطأ‏:‏ أن عثمان بن عفان - - رضي الله عنه - - دفع قراضا على أن الربح بينهما، وقياسا على المساقاة التي هي مورد السنة بجامع الضرورة؛ إذ ليس كل الناس يقدر على تنمية ماله، وأجمعت الأمة عليه‏.‏

الأول في أركانه،

وهي خمسة‏:‏ الأول والثاني‏:‏ المتعاقدان، وفي الجواهر‏:‏ لا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الوكيل والموكل، ولو قارض العامل بغير إذنك فهو متعد؛ لأنك لم تؤمن

الغير، ويجوز تعدد العامل والمالك بشرط توزيع الربح بين العمال بقدر الأعمال‏:‏ كتوزيع الأثمان على السلع‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب‏:‏ للمأذون دفع القراض وأخذه؛ لأنه تجارة ولا يضمنه المأذون، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ القراض إجارة فلا يأخذه كما لا يؤجر نفسه، وإذا أخذ قراضا، فالربح كخراجه؛ لأنه بيع منافعه، فلا يقضي منه دينه ولا يتبعه إن عتق، قال اللخمي‏:‏ فإن قارض غير المأذون فلسيده الأكثر من المسمى أو قراض المثل، أو أجرة المثل، لرضاه بالمسمى أو استيفاء المنفعة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لك مقارضة عبدك وأجيرك إذا كان مثل العبد؛ لأنه استيفاء منفعة، ومنع سحنون الأجير؛ لأنه فسخ دين في دين، وللمكاتب أن يبضع ويدفع قراضا ويأخذه؛ لأنه تنمية لماله، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قال ابن ميسر‏:‏ منع سحنون؛ لأن القراض أخف مما استأجر له فألحقها بمصلحة اشترطها العامل لنفسه، وقيل‏:‏ معنى قول ابن القاسم‏:‏ إن الأجير باق على الخدمة، وهو يتجر

في خلالها إذ وجد سلعة ابتاعها، وقال يحيى بن عمر‏:‏ إن استأجره ليتجر له، جاز القراض؛ لأنه من المنفعة الأولى، وللخدمة امتنع، أو ليقارضه امتنع أيضا؛ لأن عمل القراض غير منضبط، وقيل‏:‏ معنى قول ابن القاسم‏:‏ إنه ملك جميع خدمته، فصار كالعبد، وما استأجره فيه بعضه عمل القراض وهو نحو قول يحيى‏:‏ قال صاحب النكت‏:‏ قيل‏:‏ معنى قول ابن القاسم‏:‏ إن كان مثل العبد أنه استأجره ليجيئه بالغلة ولم يؤقت عليه ما يأتيه به، بل يتخير بالسوق فلم ينقله بالقراض من عمل إلى عمل، بل أسقط عنه بعض الربح، ولو كان عملا بعينه كالبناء امتنع كما قال سحنون‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب للعامل أخذ قراض من رجل آخر إن كان لا يشغله عن الأول؛ لأنه مالك لمنافع نفسه، وإلا فلا لالتزامه مقتضى العقد الأول، وجوزه ‏(‏ش‏)‏ مطلقا كالوكالة، ومنعه أحمد مطلقا صونا للعقد الأول عن الخلل‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا أحب مقارضة من يستحل الحرام، أو لا يعرفه - وإن كان مسلما، قال اللخمي‏:‏ أما الجاهل بالصرف وبيع الطعام قبل قبضه ونحوهما فيتصدق بالربح غير من جبر، إلا أن يعلم أنه عمل بذلك فيجبر على الصدقة بالفضل لفساد العقد، وإن توقع تجره فيما لا يجوز بيعه استحب الصدقة برأس المال والربح،

فإن علم ذلك أجبر على التصدق بالجميع؛ لأنه أخذه فيما لا يقابل بالمال، فالمال باق على ملك ربه‏.‏

قاعدة‏:‏ الأموال المحرمة من الغصوب وغيرها إذا علمت أربابها ردت إليهم، وإلا فهي من أموال بيت المال تصرف في مصارفه الأولى فالأولى من الأبواب والأشخاص على ما يقتضيه نظر الصارف من الإمام أو نوابه أو من حصل ذلك عنده من المسلمين، فلا تتعين الصدقة، قد يكون الغزو أولى في وقت، أو بناء جامع، أو قنطرة، فتحرم الصدقة، لتعيين غيرها من المصالح، وإنما يذكر الأصحاب الصدقة في فتاويهم في هذه الأمور؛ لأنها الغالب، وإلا فالأمر - كما ذكرته لك‏.‏

قاعدة‏:‏ كل من فعل فعلا، أو قال قولا، أو تصرف تصرفا من المعاملات أو غيرها، لا يجوز له الإقدام عليه حتى يعلم حكم الله تعالى في ذلك، فإن تعلم وعلم أطاع الله تعالى طاعتين بالتعلم الواجب وبالعمل إن كان قربة، وإلا فبالتعلم فقط، وإن لم يتعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين بترك التعلم وبترك العمل إن كان واجبا، وإلا فبترك التعلم فقط، وإن تعلم ولم يعمل، أطاع الله تعالى بالتعلم الواجب وعصى بترك العمل إن كان واجبا، وإلا فلا، ونقل الإجماع على هذه القاعدة الشافعي - رضي الله عنه - في رسالته، والغزالي في إحياء علوم الدين، وهذا القسم هو من العلم فرض عين وهو علمك بحالتك التي

أنت فيها، وعليه يحمل قوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم، وما عدا هذا القسم فرض كفاية، فلهذه القاعدة حرم على الجاهل كسبه الحرام كالعامد‏.‏ سؤال من شرب خمرا يظنه خلا أو وطئ أجنبية يعتقدها مباحة، أو أكل طعاما نجسا يعتقده طاهرا يعذر بجهله في ذلك كله وفي المعاملات وغيرها لا يعذر ويأثم، فما ضابط القسمين‏؟‏‏.‏

قاعدة‏:‏ الجهل قسمان‏:‏ منه ما يتعذر الاحتراز منه غالبا أو فيه مشقة فجعله الشرع عذرا لمن ابتلي به وهو تلك المثل ونحوها ومنه ما ليس كذلك فلا يعذر به فالفحص عن طهارة المأكولات وحل كل عقد تناولها بعسر على الناس وكذلك سائر النظائر وإلا فالأصل ان الجهل لا يجدي خيرا ولا يكون عذرا

فرع‏:‏ في الكتاب أكره للمسلم أخذ قراض الذمي أو مساقاته للمذمة وليس بحرام، وأباحه ‏(‏ش‏)‏؛ لأنك تعمل بالحلال، وكره دفعك له؛ لأنه يعمل بالحرام، وأجازه مالك مساقيا إن كان لا يعصر حصته خمرا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا قارضت ذميا عالما به يفسخ قبل العمل ويمضي بعده حتى ينض المال فيفسخ، وإذا كان النصراني عاملا فسخ، قال سحنون‏:‏ إذا قارض نصراني نصرانيا فاشترى خمرا فأسلم رب المال والخمر قائمة بيد العامل، فقال رب المال

قارضتك بمال فادفع إلي مالي والخمر اكسرها، يعطي للعامل قدر حصته من الربح خمرا ويراق ما يخص المسلم، وإذا كان النصراني عاملا فاشترى خمرا، هل يضمن لدخوله على بياعات المسلمين وقاله ‏(‏ش‏)‏ كأحد الروايتين في منع المسلم امرأته الذمية من الكنيسة وشرب الخمر، ولا يكون متعديا؛ لقوله في المدونة ولا يمنعها؛ لأن ذلك في دينهم، قال‏:‏ والأول أشبه؛ لأنه متلف للمال، بخلاف الزوجة، قال اللخمي‏:‏ وإذا كان الذمي العامل يعصر نصيبه خمرا يختلف هل يفسخ أو يمضي ويباع نصيبه عليه إذا تم العمل ولو لم ينظر فيه حتى تم لكان له المسمى ويباع ذلك المسمى‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال في الكتاب لا يعجبني عمل الوصي بمال اليتيم مضاربة للتهمة، وليقارض له غيره، فإن أخذه لنفسه بغير محاباة مضى، وإلا رد إلى قراض مثله‏.‏

الركن الثالث‏:‏ رأس المال وشروطه ستة‏.‏

الشرط الأول‏:‏ أن يكون نقدا وقاله ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ ففي الكتاب لا يجوز إلا بالدنانير والدراهم دون الفلوس؛ لأنها تبطل، وعنه الجواز خلافا ل‏(‏ش‏)‏ ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لأنها في معنى النقد، ويمتنع بالعروض والمثلى من المكيل والموزون للغرر بتغير الأسواق عند المفاضلة؛ لأنه يرد مثل ما أخذ فيذهب عمله مجانا بغلاء السعر، ورأس المال يرخصه، فإن وقع فله أجر مثله في البيع، وقراض مثله في التجر لفساد العقد، قال ابن يونس‏:‏ إن نزل بالفلوس رد فلوسا مثلها، إلا أن يشترط عليه صرفها دراهم ويعمل بها، فأجرة المثل وقراض المثل، وعن مالك

إجازته بها ابتداء‏.‏ قال اللخمي لمالك في الحلي الجواز والمنع؛ لأن الصياغة عرض، وهو أقسام ثلاثة‏:‏ جائز إن كانوا يتعاملون به، وإلا فمكروه إن لم يتعذر المثل وإلا فممنوع، وفي الفلوس أقوال، وثالثها الكراهة لشبهها بالعروض والنقود اعتبارا للشبهين‏.‏ قال صاحب المقدمات القراض بالعروض له أربعة أحوال إن جعل رأس المال فهو غرر، أو الثمن الذي يباع به فهو اشتراط منفعة لك من حمل مؤونة البيع أو القيمة يوم الدفع كان بيعا منك للعرض بتلك القيمة، فإن باعه بأقل جبره بالربح، فهو غرر، أو القيمة يوم التفاضل فهو يعمل برأس مال مجهول وتختلف هذه الوجوه على أصل ابن القاسم، فله في الثاني أجرة مثله في البيع، وقراض مثله في العمل إن لم يعثر عليه إلا بعده، وفي الثلاثة الأخر أجرة المثل، قال التونسي‏:‏ بع لي هذه السلعة ولك في إجارتها كذا واعمل بثمنها قراضا، القياس المنع؛ لأن القراض في حكم الجعل، فلا يجتمع مع الإجارة على المشهور، قال اللخمي‏:‏ القراض بالمثليات والعروض إن جعل رأس المال ما تباع به امتنع؛ لأنها إجارة بأجرة مجهولة، وقراض في عقد، إلا أن يكون ذلك يسيراً ويكون شأنه يعمل ذلك له من غير قراض، أو يقول كلف من يبيع ويأتيك بالثمن، فيجوز لعدم الإجارة، وإن باع العرض بعرض ثم ينقد، فله أجرة مثله في العرضين ثم قراض مثله في وقت العين، فإن قال له‏:‏ بعه بالعين فباع بالعرض تعديا خيرا بين إجارة فعله فيكون كما تقدم، أو يضمنه ويكون الربح والخسارة للعامل وعليه، وله قراض المثل

فيما عمل فيه بعد بيع الثاني إلا أن يكون الثمن الذي بيع به الثاني أكبر من قيمة الأول فيكون ربح الزائد وخسارته له وعليه، وقال ابن حبيب رأس المال قيمة الأول إذا لم يأمره أن يبيع بعين فباع بعرض، وإن أمره بالعين فرأس المال الأكثر من قيمة الأول وثمن الثاني، وله الأجرة في بيع الأول دون الثاني؛ لأنه متعد قال اللخمي‏:‏ جعله الأجرة له مع جعله رأس المال قيمته لا وجه له؛ لأن القيمة قبل البيع، فالبيع داخل في عمل القراض‏.‏

فرع مرتب‏:‏ في الكتاب أكره شراءه من رب المال سلعة لرجوع رأس المال وصار القراض بهذا العرض، قال ابن يونس وعنه إباحته، وإذا اشترى منه لنفسه لا للتجارة، جاز قاله اللخمي، ويجوز لك بيع عروض من العامل للقراض بالنقد، وكرهه مالك بالنسيئة وإن باع كأنه أخره ليرضخه فيه‏.‏ وفي المنتقى إذا اشترى منك عروضا بمال القراض للقراض كرهه مالك حذرا من مغابنته لك، وعنه التخفيف قياسا على الأجنبي، وإن باع منك بعرض قبل التفاضل، جوزه يحيى بن سعيد ومنعه مالك، وبعد التفاضل يجوز نقدا ويمتنع نسيئة عند مالك خشية الربا، وجوزه ابن القاسم برأس المال فأقل، ويمنع إلى أجل بأكثر من رأس المال لقوة التهمة، قال اللخمي‏:‏ إن باعه بالنسيئة فسخه ابن القاسم وألزم

القيمة عند الفوت معجلة، وأجازه يحيى بن سعيد ابتداء، فإن غاب العرض، امتنع اتفاقا خشية خسارة رأس المال فيؤخره فيتوقع البيع والسلف‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يكون معلوما ليعلم الربح وما يرد عند الانفصال، وفي الجواهر يمتنع بصبرة دراهم‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ أن يكون مسكوكا، ففي الكتاب يمتنع بالنقار وقاله‏:‏ ‏(‏ش وح‏)‏؛ لاحتياجها للتصرف فيها قبل عمل القراض كالعرض، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا نزل بالنقار أمضي بعد العمل، وأمضاه أصبغ قبله لقوة الاختلاف، قال ابن حبيب يرد مثلها عند المفاصلة إن عرف الوزن، وإلا فما بيعت به والعدد الخارج من ضربها، إلا أن يكون قال له‏:‏ بعها أو استصرفها فما باعها به أو ما حصل في الصرف عرف وزنها أم لا؛ لأنه الذي قدر رأس المال، وللعامل أجرته في الصرف والضرب إن كان له مؤونة وله قراض المثل، وأجازه ابن القاسم في البلد الذي يجري فيه التبرؤ وليس خلافا للمدونة؛ لأنها حينئذ كالنقدين، قال اللخمي‏:‏ في النقار أقوال لمالك ثالثها الكراهة‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ أن يكون خالصا، فإن المغشوش فيه عرض وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏ إن كان الغش النصف فأقل جاز؛ لأنه تبع وإلا فلا، وفي الجواهر استثنى القاضي أبو الوليد المسكوك منها في بلد يكون التعامل فيه بها؛ لأنها هناك أصول الأموال، واتفق الأصحاب على تعلق الزكاة بعينها، وهو دليل إعطائها حكم الخالص‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ أن يكون مسلما، ففي الكتاب يمتنع جعل وديعتك عنده أو دينك عليه قراضا، لئلا يزيدك بتأخير الدين، ولعله أنفق الوديعة فتصير

دينا، قال اللخمي‏:‏ القراض بالدين جائز إذا كان على موسر حاضر غير ملد ويتيسر اجتماع العامل به كأنه قبض المال منك، فإن كان على غائب يخرج لطلبه فهو في معنى الإجارة والقراض، فيمنع للجهالة بالأجرة؛ لأنها بعض الربح، وإن كان الدين عليه فأحضره واستشهد وبرئ من ضمانه، جاز أخذه قراضا، فإن عمل قبل الإشهاد فالربح والخسارة له وعليه استصحابا لحكم الدين، قاله‏:‏ مالك، وقال أشهب‏:‏ الربح بينهما، فعلى هذا تكون الخسارة منك، وإذا كان المودع لا يتصرف في الودائع جاز جعلها قراضا، أو كانت مما لا يتصرف فيها غالبا كالعرض جاز إذا قال‏:‏ كلف من يبيعه - والثمن قراض، وإن كانت عينا وهو ممن يتسلف، منع إلا بعد إحضارها فإن عمل قبل ذلك وادعى ضياعا أو خسارة صدق؛ لأنه إما مودع أو عامل، وكلاهما أمين يصدق إلا أن يتهم بأن يعلم أنه تسلفها وهو متهم على ذلك فيصدق بالربح، وإن كان شأنه التصرف في الودائع لا يصدق في الضياع للتهمة، وجوز ‏(‏ش‏)‏ الوديعة من غير تفصيل؛ لأن يده يدك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع أصرف هذه الدنانير ثم أعمل بها أو أقبض من غريمي دينا وأعمل به، فإن فعل فله أجرة الصرف والتقاضي وقراض المثل، قال صاحب التنبيهات‏:‏ هذا إذا كان الصرف له بال، وإذا كانت معاملة البلد بالدراهم ويصرفها ليشتري بالدراهم جاز؛ لأنه نوع من التجر، قال اللخمي‏:‏ إذا دفعها

ليصرفها بالدراهم ويكون رأس المال الدراهم ويكون بيعها بالدراهم من جنس النظر جاز، وإن كان ليكون رأس المال الدراهم منعه ابن القاسم وأجازه أشهب إن كان أجيرا لبيع الشيء اليسير، وإلا فلا إلا أن يكون لا يتولى بيعا بل يجلس عند من يتولى ذلك فيجوز‏.‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا لم يحضر الدين فليس لك إلا رأس مالك أو أحضره ولم تقتضه فالمشهور المنع وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال عبد الوهاب‏:‏ إذا أحضر الغاصب الدراهم، وقلت‏:‏ لا أقبضها اجعلها قراضا يجوز، فيجوز في الدين، ويحتمل الفرق بأن يكون الغاصب أحضر المال تبرعا والمديون اتفق معك على الإحضار، فلو تبرع كان كالقبض فإن نزل فلك الدين فقط قاله مالك؛ لأن القبض يفتقر إلى نقد ووزن ولم يتفق فلا قبض، وقال أشهب‏:‏ يمضي؛ لأنه لما أحضره علمت براءته، وأما الوديعة فكرهها ابن القاسم حتى يحضرها، وكرهها ابن حبيب من غير الثقة، وجوزها محمد، فإذا نزل فالربح بينكما على الأقوال الثلاثة، ولو أحضرها انتفت الكراهة، وكذلك المرتهن لنفسه لا لغيره‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي يخرج المال من الذمة إلى الأمانة في ثمان مسائل‏:‏ إذا عزل عشر زرعه في بيته فضاع، ضمن إلا أن يشهد على ذلك البينة وقال المخزومي‏:‏ لا ضمان عليه، وإذا قلت‏:‏ كل في طعام السلم في غرائرك أو بيتك ثم قال‏:‏ ضمن إلا أن تشهد البينة عند ابن القاسم، وإذا أمرته بالانفاق على مرمة دراك من الكراء، صدق إذا ظهر ما يصدقه، وإلا فلا، وقال غيره‏:‏ لا

يصدقه إلا البينة، وإذا باعه سلعة بثمن على أن يتجر به سنة، جاز إذا أخرجه من ذمته ببينة، وقيل‏:‏ يصدق بغير بينة، وإذا قلت‏:‏ اشتر لي بالدين الذي عليك عبدا، فقال‏:‏ فعلت وأبق، صدقه ابن القاسم، أو قلت‏:‏ اعمل بديني قراضا، منعه ابن القاسم وجوزه أشهب، وإذا قال‏:‏ انفقت الوديعة ورددتها موضعها، فأقوال ثالثها يصدق بالبينة والخروج من الأمانة كالوديعة تجعل قراضا والخروج من الأمانة إلى الذمة كالمودع يقترض أو العامل أو الوكيل أو الشريك‏.‏

فرع‏:‏ قال الأبهري يجوز إن احتجت ‏(‏إلى فضل‏)‏، فإذا اشترى بأكثر فأخذ الفضل جاز، وإن قال هذا مال القراض كلما اشتريت دفعت لك امتنع؛ لأنه لم يأتمنه‏.‏

الشرط السادس‏:‏ أن يكون معينا، قال في الجواهر احترازا من القراض على دين في الذمة، وجعل هذا الشرط مع شرط التسليم شرطا آخر‏.‏

الركن الرابع‏:‏ العمل‏.‏ وهو عوض الربح في الجواهر‏:‏ شروطه ثلاثة‏:‏ إن يكون تجارة غير مضيقة بالتعيين أو التأقيت، فالأول احتراز من الطبخ والخبز وغيرهما، فإنها إجارة فاسدة، والتحديد ببعض السلع أو زمان معين تحجير يخل بحكمة القراض، لاحتمال ألا تساعده الأسواق في تلك السلعة أو ذلك الزمان، وفي الكتاب يمتنع اشتراط عمل يد العامل الخفاف أو الصياغة، وإن ترك كان أجيرا والربح والخسارة لك وعليك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا نزل أربعة أقوال‏:‏ ما تقدم

وقال أشهب‏:‏ أجرة المثل فيما عمل وفيما سوى ذلك على قراض مثله، وعن مالك له سوى عمل يده الأقل من المسمى أو قراض المثل، لوجود السببين، وقال ابن وهب‏:‏ هما على قراضهما ولا أجرة وصنعته كتجره وسفره، قال‏:‏ وأرى أن يكون شريكا بصنعته ويفض ذلك بعد البيع، فما قابل الصنعة فله، أو المصنوع فلك على القراض له فيه الأقل من المسمى أو قراض المثل، فإن اشترى بعد ذلك كانت الشركة بينكما على قدر الشركة في الثمن الذي بيع به‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال يحيى بن عمر‏:‏ هو أحق بما عمل من الغرماء حتى يأخذ أجرته فيما عمل دون القراض‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع اشتراط عملك معه؛ لأنه يوجب زيادة جهالة في العمل، فإن نزل فأنت أجير وإن عملت بغير شرط كره إلا اليسير، قال اللخمي‏:‏ يمتنع بالشرط والتطوع قبل شروعه؛ لأن لك انتزاعه، وتضعف التهمة بعد طول العمل ولك المسمى، وإن أعنته بغلامك فعمل معه ودابتك، أجازه في الكتاب؛ لأنها منفعة لكما لا تختص قال ابن يونس‏:‏ ويجوز جعل غلامك معه بجزء من الربح للعبد دونك كالعامل الأجنبي، قال صاحب المنتقى للغلام ثلاث حالات‏:‏ عامل بجزء من الربح، وخادم للمال من غير ربح، وأمين عليه، فيمتنع الثالث فقط لمخالفته لمقتضى العقد، فإن العامل وصفه الأمانة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع أن يشتري وتنقد أنت أو تقبض الثمن أو تجعل معه غيرك

كذلك؛ لإخراجه عن الأمانة، وإن تجعل معه صديقا ليبيع الصديق؛ لأنه تحجير، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على امتناع اشتراط ألا يشتري من فلان، أولا يبيع إلا منه أو لا يشتري إلا من نوع لا يعم، وعلى امتناع التوقيت، وجوز ‏(‏ح‏)‏ جميع ذلك قياسا على الوكالة، والفرق عدم الغرر وحصول المقصود في الوكالة، بخلاف القراض موضوعه التماس فضل الله تعالى في الأرباح حيث كانت وذلك يناقضه التحجير، والوكالة وضعها أن يكون في الأمر الخاص حتى منع ‏(‏ش‏)‏ الوكالة المطلقة، فالتحجير شأنها ومناقض للقراض؛ لأن وضع العامل أن يقوم مقاما في تنمية مالك وتصرفك لا يختص بتصرفه‏.‏

الركن الخامس‏:‏ الربح، وفي الجواهر له شرطان‏:‏ أن يكون معلوما مضبوطا بالجزء لا بالعدد احترازا من قوله لك من الربح ما شرط فلان، أو لك من الربح عشرة دنانير، ولا يشترط تخصيصه بالعامل، بل لو شرطه للمساكين؛ لأنها صدقة من العامل، أولك؛ لأنها هبة منافعة لك، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ فيما تقدم، ومنع ‏(‏ح‏)‏ تخصيصه بأحدهما؛ لأن موضوعه الشركة فلا يغير وقال ‏(‏ش‏)‏ إن شرطته لنفسك فهو بضاعة، أو له فهو قرض؛ ونحن نجوز الأمرين؛ لأن إسقاط الحقوق من مالكها مجمع عليه، وفي الكتاب‏:‏ إن لم يسمه وتصادقا على ذلك، أو قال لك شرك ولم يسمه فله قراض مثله تنزيلا للإطلاق على ما قيده العرف، وأبطله ‏(‏ش‏)‏ لعدم التعيين، وقال غيره في

الكتاب في الشرك له النصف، كما لو قال‏:‏ فلان شريكي له النصف، وفي التنبيهات إذا قال‏:‏ الربح كله للعامل، قال سحنون‏:‏ يكون ضامنا كالسلف، قال‏:‏ فضل ذلك إذا لم يشترط عدم الضمان؛ لأن الشرط يخرجه عن القراض، وقاله في الكتاب‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا قال‏:‏ خذه قرضا أو على أن لك جزءا ولم يسم شيئا فسد، وإذا قال‏:‏ اعمل به ولك ربحه ولم يسمه قراضا ضمنه العامل، وإن سماه فلا، ولفظ القراض كاشتراك عدم الضمان، وضمنه سحنون وإن سماه، ويمتنع لك من الربح دينار، فقد يكون كمال الربح، ويجوز لك دينار من جملة المال إن سلم وعاد إلي؛ لأنها جعالة بشيء معلوم، ويجوز لك دينار من عشرة؛ لأنه العشر ولك دينار والباقي بيننا نصفان، يمتنع؛ لأن الربح كله قد يكون دينارا‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لك نقله بعد العمل عن النصف إلى الثلثين له أو لك كالزيادة في الجعل، قال اللخمي‏:‏ يجوز ذلك قبل العمل وبعده عند ابن القاسم‏.‏ ومنع ابن حبيب بعد العمل للتهمة في عدم المعروف بل لطلب الاستمرار، فإن تفاصلا جاز اتفاقا، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن كان المال عند الزيادة لا زيادة فيه ولا نقص جاز حركه أو لا؛ لأن كليكما ملك المقاسمة‏.‏ وإلا فلا تهمة، قيل‏:‏ إذا قبل رب المال بعد العمل الثلث وكان له الثلثان، فهي هبة مقبوضة مات رب المال أو فلس، وإن كان ذلك للعامل فمات سقطت؛ لأنها هبة لم تقبض‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب تمتنع مقارضة رجلين لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه خلافا ل‏(‏ش وح‏)‏، كما لو اشتركا على مثل ذلك؛ لأن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه، احتجا بأنهما في المعنى عقدان، والقسمة في الشركة على الأموال لا على العمل، ولا مال لهما ههنا وليست عندهما من شركة الأبدان كما قلناه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قيل ظاهر كلامه‏:‏ إذا كان عملهما على قدر نصيبهما لتشبيهه بالشركة، وقال حمديس إن عملا مضى‏.‏ قال فضل القياس ردهما إلى قراض مثلهما؛ لأنها زيادة داخلة على المال على أصله، وقيل‏:‏ يجوز، كأن رب المال وهب أحدهما قال ابن يونس إذا اشترطت التفاوت، فهما أجيران لفساد العقد، وقال أصبغ‏:‏ إذا مضى بالعمل فالنصف للعاملين على ما شرطناه ويرجع صاحب السدس على صاحب الثلث بفضل أجرته؛ لأنه عمل أكثر منه، قال ابن حبيب ذلك إلا أن يكون أكثر مما فضله به من الربح، قال محمد لو شرطوا العمل على قدر الأنصباء، كره فقط، قال اللخمي‏:‏ إن شاركت كل واحد بانفراده على التفاوت فاشترطا من غير رضاك أو برضاك من غير شرط في القراض جاز، وليس لأحدهما إلا ما رضي به، وإن كان بشرطك فسد عند ابن القاسم، والقياس الجواز؛ لأن كل واحد له بيع منافعه بما شاء، وإن قلت‏:‏ اعملا على أن لكل واحد منكما ربع الربح ولم تشترط عملهما معا، فعملا على فضل أحدهما الآخر فهي شركة فاسدة ويستويان في الربح إن استويا في العمل المفروض لهما، وإن فضل صاحبه بعد العمل على المساواة جاز؛ لأنها هبة وإن قلت لي‏:‏ النصف ولكما النصف ثم اختلفا في قسمته بينهما قضي بينهما على قدر نهضتهما في التجر؛ لأنه الذي يشترطه لو انفرد فهذه ست حالات لشركة التفاوت‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع دفع مائتين على أن يعمل في كل مائة وحدها وربح مائة لأحدكما وربح الأخرى بينكما، أو ربح مائة بعينها لك وربح الأخرى له للغرر، وهو أجير فيهما وكذلك على أن المائة على النصف ومائة على الثلث ويعمل بكل مائة وحدها؛ لأنه قد يذهب عمله في إحداهما مجانا وكذلك مساقاة الحائطين حتى يكون على جزء واحد، ولأنه قد يباع في إحداهما لأجل الأخرى فيكون من أكل المال بالباطل‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يريد في المائتين وربح مائة لأحدهما أو ربح مائة بعينها لك أنه يجوز على الخلط لرجوعه إلى جزء مسمى، وكذلك المائتان على الجزئين المختلفين، قال محمد‏:‏ يجوز، قال اللخمي‏:‏ إن شرطت ربح أحدهما للعامل فله أجرة المثل ما لم تجاوز الربح، وان كانت عليه خسارتهما كان سلفا فاسدا، والربح والخسارة له وعليه، وفيما يجب في التي يشترط ربحها ثلاثة أقوال‏:‏ قراض المثل، أجرة المثل، الأقل من المسمى وقراض المثل إن شرط ربح المنفردة لك، والأكثر إن شرط ربحها له، وإن كانت إحداهما قراضا والأخرى سلفا قيل‏:‏ يكون في مائة القراض أجيرا، وقيل‏:‏ قراض المثل، وقيل‏:‏ الأكثر، وعلى قول سحنون‏:‏ الأكثر ما لم يقبض السلف ويتم الريا بينهما، وعلى قول ابن نافع المسمى إن أسقط السلف لذهاب المفسدة، وإلا فالأجرة وربح السلف للعامل، إلا أن يشترط عليه إلا يبين به بل يعمل به في جملة القراض ويختلف هل يضمن والربح له أو لك والضمان منك لتحجيرك عليه، ولو دفعت مائتين على جزئين متفقين على عدم الخلط امتنع للتحجير، وأن لا يجبر إحداهما بربح الأخرى، وإن أخذ مائة على النصف فلم يشغلها حتى أخذ مائة على النصف أو الثلث جاز وله الخلط، إلا أن يشترط عدمه فيرد الجواب

المتقدم، فإن أشغل الأولى جاز في الموافق، وفي الكتاب جواز المخالف، ومنعه في كتاب محمد، ويمتنع أخذ الثانية بشرط الخلط بالأولى في الموافق والمخالف؛ لأن الأولى قد تكون فيها خسارة فيجبرها بالثانية ويكون للثانية بعض ربح الأولى، ومحمل الثانية على الحل حتى يشترط الخلط، وإن نضت الأولى وفيها ربح أو خسارة، امتنع أخذ الثانية بموافق أو مخالف على الخلط والانفراد عند ابن القاسم سدا للذريعة، وأجازه غيره بثلاثة شروط‏:‏ أن يكون في الأولى ربح والجزء موافق، وعلى عدم الخلط، ووافق ابن القاسم إذا كان في الأولى خسارة؛ لأن مع الخسارة يكره العامل على التمادي فتعطيه ليرضى ويجبر الخسارة، ولو علم من العامل رده الأولى ليستعجل نصيبه من الربح، منع مع الربح أيضا، وينبغي إذا علمت رغبته في التمادي أن تجوز الثانية بجزء مخالف، وإذا عمل على الوجه الفاسد بشرط الخلط، قسط الربح على قدر المائتين يوم الخلط، فما ناب الأولى جبر به خسارته وما ناب الثانية فله قراض المثل - ما لم يجاوز المسمى؛ لأنه رضي به على أن يجبر خسارة الأولى من جميع الربح، فإذا سقط ذلك عنه لم يزد على المسمى، وكذلك إذا كانت الأولى في عروض وخلطه بالثاني فض الآن ما نض على قدر ما يقع به الأول في الثاني، فما ناب الأول يجبر الخسارة، وفي الربح على المسمى وما ناب الثاني على الأقل من المسمى أو قراض المثل - إن كان في الأول ذلك اليوم خسارة، فإن جهل ما بيع به الأول، فالفض على قيمته يوم خلط الثاني للضرورة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا شرطا ثلث الربح للمساكين لا أحب الرجوع فيه من غير قضاء؛ لأن القربات لا يقضى بها، قال اللخمي‏:‏ إذا شرطا ثلث الربح للمساكين والثلثان بينهما ثم رجعا فيه فهو بينهما نصفان، فإن رجع أحدهما فله النصف وللآخر الثلث وللمساكين السدس‏.‏

الثاني في أحكامه‏:‏

قال صاحب التنبيهات مذهب الكتاب‏:‏ أن القراض الفاسد يرد إلى أجرة المثل إلا في تسع مسائل‏:‏ القراض بالعروض، وإلى أجل، وعلى الضمان، والمبهم، وبدين يقبضه من أجنبي، وعلى شرك في المال، وعلى أنه لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد، وعلى أنه لا يشتري إلا سلعة كذا لما يكثر وجوده فاشترى غيرها، وعلى أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ويتجر بثمنه، وألحق بالتسعة عاشرة من غير الفاسد، ففي الكتاب إذا اختلفا وأتيا بما لا يشبه له قراض المثل، والضابط كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه ليست خارجة عن المال ولا خالصة لمشترطها، ومتى كانت خارجة من المال أو كان غررا حراما فأجرة المثل، فعلى هذه الثلاثة الأمور تدور المسائل وقاله‏:‏ ابن حبيب، إلا أنه يرى أن إجارة المثل في الربح، فإن لم يكن فلا شيء له والمشهور أنها متعلقة بالذمة ربح أم لا، وقراض المثل متعلق بالربح إن كان وإلا فلا شيء له، وعن مالك قراض المثل مطلقا وعند محمد قراض المثل ما لم يزد على المسمى إن كان رب المال المشترط، وإلا فالأقل من قراض المثل، والأجرة أو المسمى‏.‏ وقال ابن نافع في المغيا‏:‏ إلى أجل يسقط الشرط ويصح العقد، وعنه أيضا لمشترط الزيادة إسقاطها، وتصح كإسقاط شرط السلف في البيع، فإن أتما فأجرة المثل، وقال عبد العزيز‏:‏ بالأجرة مطلقا في كل فاسد و‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ نظرا لاستيفاء العمل بغير عقد صحيح وإلغاء العقد بالكلية، فهذه سبعة أقوال، قال صاحب القبس‏:‏ فيها خمسة أقوال، ثالثها لابن القاسم إن كان الفساد في العقد فقراض المثل، أو الزيادة فأجرة المثل، ورابعها لمحمد الأقل من قراض المثل أو المسمى، وخامسها تفصيل ابن القاسم، قال غيره‏:‏ وقد نظم بعضهم مسائل ابن القاسم فقال‏:‏ وأجرة مثل في القراض تعينت سوى تسعة قد خالف الشرع حكمه‏.‏

قراض عروض واشتراط ضمانه *** وتحديد وقت والتباس يضمه

وإن شرطا في المال شركا لعامل *** وأن يشترى بالدين فاختل رسمه

وأن يشتري غير المعين للشرا *** فاعط قراض المثل من حال عزمه

وأن يقتضي الدين الذي عند غيره *** ويتجر فيه عاملا لا يذمه

وأن يشتري عبد لزائد بيعه *** ويتجر فيما ابتاعه ويلمه

وفي الجواهر ضابطها كل ما شرط فيه رب المال على العامل أمرا فضره به على نظره، أو اشترط زيادة لنفسه، أو شرطها العامل لنفسه فأجرة المثل، وإلا فقراض المثل، قال‏:‏ وفصل ابن الحارث أن ما فسد لزيادة لا تحل، أو

تخصيص لا ينبغي، فأجرة المثل، وإلا فقراض المثل إلا في مسئلتين اشتراط الضمان وإمساك المال مدة معينة فقراض المثل، قال‏:‏ وعكس قول ابن حبيب غيره فجعل القراض متعلقا بالذمة، فإذا جمعت هذه الأقوال من هذه الأمهات تزيد على العشرة‏:‏

تمهيد‏:‏ منشأ الخلاف أمران أحدهما أن المستثنيات من العقود إذا فسدت هل ترد إلى صحيح أنفسها كفاسد البيع، أو إلى صحيح أصلها، والقراض مستثنى من الإجارة فيكون المستحق أجرة المثل؛ لأن الشرع إنما استثنى الصحيح؛ لاشتماله على القوانين الشرعية، فإذا فسد المستثنى رجعنا إلى أصله؛ لأن الشرع لم يستثن الفاسد، فهو مبقي على العدم وله أصل يرجع إليه وهو الفرق بينها وبين البيع أن البيع ليس له أصل آخر يرجع إليه في ذلك قولان، وثانيهما أن أسباب الفساد إذا تأكدت بطلت حقيقة القراض بالكلية، فتتعين الإجارة وإن لم تتأكد اعتبرنا القراض، ثم النظر بعد ذلك في المفسد هل هو متأكد أم لا، هو تحقيق مناط، وأما جعل الجميع في الربح فلرضاه بالربح، وجعل الجميع في الذمة فلسقوط العقد‏.‏

فرع مرتب‏:‏ في النكت قال ابن القاسم حيث يكون له أجرة المثل، فهو أسوة الغرماء لتعلقها بالذمة، وحيث يكون قراض المثل أو مساقاة المثل فهو أحق بما في يده من الغرماء في الموت والفلس لتعلق حقه بالمال‏.‏ قال عبد الحق‏:‏ ينبغي إذا كان أجيرا في المساقاة أن يكون أولى بالثمن في الفلس فقط، قال سحنون‏:‏ إذا كان له

أجرة مثله وفيما عمله بعد ذلك قراض مثله فهو أحق بما في يده في الموت والفلس ولم يوجد لغيره‏.‏

فرع‏:‏ في النكت قال ابن حبيب‏:‏ يفسخ القراض الفاسد متى عثر عليه قبل العمل أو بعده، ويرد إلى قراض المثل أو أجرة المثل، وتفسخ المساقاة قبل العمل مطلقا وبعده إن كانت ترد إلى مساقاة المثل لم يفسخ، وإلا فسخت، وقال غيره‏:‏ لا تفسخ بعد العمل مطلقا‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ نمنع هدية كليكما لصاحبه للتهمة على التمادي فهو بذل مال في مجهول، وقد أجاز محمد ترك العامل للنفقة بعد شغل المال وهو هبة لوجوب النفقة له بالسفر، ومنعه قبل الشغل لعدم لزوم القراض، فكأنك اشترطت عدم النفقة في العقد وهو ممنوع لمخالفة موجبة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا اختلفا في جزء الربح قبل العمل رد المال لعدم اللزوم، إلا أن يرضى بقولك أو بعده صدق كالصانع؛ لأنه بائع لعمله إن أشبه قوله، وإلا فقراض مثله، وكذلك المساقاة، فإن ادعى جزءا ما نحو مائة درهم ونصف ما بقي صدقت، لدعواك الحلال؛ لأنه أصل تصرفات المسلمين، قال اللخمي‏:‏ إن سلم المال بعد العمل تسليم إيداع حتى ينفصلا فكعدم التسليم، أو تسليم بت

ويكون جزء المال سلفا عندك، صدقت لحصول يدك على المال، فإن ادعى النصف وادعيت مائة وله ثلث الربح جمع كلاكما بين الحلف على إثبات دعواه ونفي دعوى صاحبه، فإن نكلت وحلف فله دعواه إن حلفتما على إثبات الدعوى، وإلا فإن حلفت ونكل خير بين قراض المثل باليمين المتقدمة أو تحلف يمينا ثانية على إثبات دعواك وتأخذ أجرة المثل، وإن حلف أولا ونكلت خير بين قراض المثل باليمين الأولى، أو يحلف ثانية على إثبات دعواه ويأخذها‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب عقدا على الثلثين واختلفا لمن هما صدق؛ لأنه البائع لعمله، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إن اتفقا على عدم تبيين ذلك جعلته لمن يشبه أن يكون ذلك له، فإن أشبههما فللعامل؛ لأنه بائع لعمله ولم يرض بإخراجه بدون ذلك ويحلف، قال ابن يونس‏:‏ إنما يصدق بعد العمل، وقال‏:‏ كانت نيتي ذلك ويحلف أنه كذلك نوى، فإن نكل حلفت على نيتك، قال بعض القرويين‏:‏ هذا إذا كان ادعى كلاهما أنه فهم عن صاحبه ذلك، أما إن قال‏:‏ لم أفهم عن صاحبي شيئا، لكني ظننت ذلك فالربح بينهما نصفان؛ لأن كليهما سلم الثلث لصاحبه ونازع في الثلث الآخر فيقسم بينهما‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ ويلزمه ذلك إذا ادعياه مطلقا، لكن لما كان العامل حائزا صدق فيهما ولا عبرة بما قال، قال صاحب النكت‏:‏ اشتراط محمد الأشبه خلاف المدونة، قال اللخمي‏:‏ إن ادعى كلاهما أنه فهم ذلك عن صاحبه بقرائن، فكما في النكت وإن لم

يكن إلا العقد فسد القراض ورد إلى قراض المثل؛ لأنها معاملة بمجهول إلا أن يكون عادة فيأخذ الثلثين من عادته الثلثان‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا قلت‏:‏ مالي سلف عندك وقال‏:‏ قراض أو وديعة صدقت مع يمينك؛ لأن وضع اليد ظاهر في الضمان وهو يدعي إسقاطه، قال ابن يونس‏:‏ إن قلت‏:‏ قراض، وقال سلف‏:‏ صدق؛ لأنك تدعي الربح والأصل عدم استحقاقك له، وقال أشهب‏:‏ إنما يصدق في السلف إذا حرك المال، فإن تسلف قبل العمل صدق، وعن مالك يصدق مطلقا؛ لأن الأصل عدم الضمان، وإذا قلت‏:‏ وديعة وقال‏:‏ قراض أو قلت‏:‏ قراض وقال‏:‏ وديعة أو قلت‏:‏ قراض وقال‏:‏ بضاعة، أو قلت‏:‏ غصب وقال‏:‏ وديعة أو قلت‏:‏ أقبضتك من قراض أو رددته إليك من قراض كان لك عندي، وقال‏:‏ أودعتنيه، قال مالك وابن القاسم في هذا كله‏:‏ تصدق أنت، وإنما يفارق ابن القاسم إذا قلت‏:‏ قرض وقال قراض‏:‏ أو وديعة أو قلت‏:‏ وديعة أو قراض وقال قرض‏:‏ أو قلت‏:‏ وفيتكه من قرض أو رددته من قراض، وقال وديعة‏:‏ وقد ضاع صدقت عند ابن القاسم في هذه الثلاث فقط، وإذا قلت‏:‏ قرض وقال‏:‏ قراض وفي المال ربح وقف نصيبك من الربح؛ لأنك أنكرته، فإن طال تصدق به، وكذلك إذا قلت‏:‏ وديعة عن ابن القاسم لورثتك أخذه إن أحب المقدم دفعه من غير قضاء؛ لأن موروثهم مات عن غير حق، وفي الكتاب‏:‏ إن قلت‏:‏ أبضعتكه فعمل به وقال قراض‏:‏ صدقت مع يمينك وعليك أجرة المثل، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إلا أن يكون دعواه من

الربح أقل من أجرة المثل‏.‏ فله الأقل، فإن نكلت صدق مع يمينه إن كان ممن يستعمل مثله في القراض، قال محمد‏:‏ إن كان الربح أقل من أجرة المثل أو مثلها لا يحلف ويأخذه، أو أكثر حلفت، فإن نكلت حلف إن كان يستعمل مثله في القراض، وقيل‏:‏ إن كانت العادة أن للبضاعة أجرا صدق إن كان أقل من نصف الربح؛ لأنه يؤول إلى اختلاف في الربح كقولك الثلث وقوله النصف، فيصدق إذا أشبه مع يمينه وإن كانت إجارة مثله نصف الربح فأكثر فلا إيمان ويعطى نصف الربح، وإن كانت البضاعة لا أجر لها فهو كقولك عملته لي باطلا، وقال بأجر فإنه يصدق، وعلى قول الغير يتحالفان وله الأقل من أجرة المثل أو ما أقر به، قال‏:‏ وقوله‏:‏ إن كان مثله يستعمل في القراض مستغنى عنه؛ لأن من نكل فقد مكن خصمه من دعواه أشهد أم لا، قال اللخمي‏:‏ إن قلت‏:‏ بضاعة بغير أجرة صدقت، أو مثله لا يقارض أو مثل تلك السلعة لا تكون قراضا ليسارتها صدقت أيضا، وإن قال بضاعة‏:‏ بأجر وقلت‏:‏ قراض صدق مع يمينه على الإجارة، وأنت تقول جعالة وإن اختلفتما في القرض والقراض فأيكما يصدق قولان لمالك، وقال أشهب‏:‏ يصدق بعد تحريك؛ لأنه مدعى عليه الضمان، وتصدق أنت إذا ضاع بعد التجر؛ لأنه يدعى تحريكه على ملكك وأنه لم ينتقل، وفي الكتاب إذا ادعيت الوديعة وادعى القراض صدقت لدعواه طرح الضمان عن نفسه، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن كان المال في

سلعة بعينها فبيعت بفضل قيل له‏:‏ إن سلمت أنه قراض ادفع الربح من غير قضاء، فإن دفع لا يقضى عليك بأجرة، وقال ابن القاسم‏:‏ إن ادعى الوديعة وادعيت القراض والمال في سلعة صدق؛ لأنك تدعي الربح، وإن رجع إليك بعد البيع لم يصدق‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا اختلفتما في مقدار رأس المال صدق؛ لأنه أمين قال اللخمي‏:‏ إن ادعى أن نصفه ربح وقلت‏:‏ الكل رأس المال صدق، إلا أن يقوم دليل كذبه كقول أهل سوقه ليس في سلعة تلك المدة فائدة، أو يدل المشتري لعظمه على رأس المال فتصدق أنت، فإن كانا اثنين فوافقك أحدهما صدق الآخر؛ لأن يده على النصف، وله ما يخصه من الربح، فإن كان الآخر عدلا جازت شهادته؛ لأنه لا يجربها منفعة، فإن قلت‏:‏ مائتان وقال أحدهما‏:‏ مائة وخمسون، وقال الآخر‏:‏ مائة أخذ الأخير خمسة وعشرين - إن كان القراض على النصف، واختلف في الأول ورب المال على ثلاثة أقوال‏:‏ قيل‏:‏ له ثمانية وثلث؛ لأن الباقي بعد الأول من الربح يقسم بينه وبينك على شرطكما وقد كان لك جزءان وله جزء، وقيل‏:‏ له اثنا عشر ونصف؛ لأن يده على مائة فله منها ما يقربه والآخر غصب صاحبه، وقيل‏:‏ لا شيء له؛ لأنك تبدأ برأس مالك وربحه على العاملين، ثم يقسم العاملان ما تدفع يدك عنه وأحدهما غصب صاحبه قاله‏:‏ سحنون، ولو كانوا ثلاثة فقال أحدهما‏:‏ رأس المال خمسون، وقال الثاني‏:‏ مائة، وقال الثالث‏:‏ مائة وخمسون -وأتوا بثلاثمائة، فعلى قول أشهب يد كل واحد على

مائة فله من الربح ما يقربه، فالأول يقول يدي على مائة رأس المال فيها ثلث الخمسين والباقي له فيه نصفه، ويقول الآخر‏:‏ رأس المال المائة التي في يدي ثلث مائة، فله في الباقي نصفه، ويقول الثالث‏:‏ رأس المال في التي في يدي خمسون والربح خمسون، فله نصفها، قال محمد‏:‏ على القول بأن المغصوب على الجميع إذا أخذ الأول أحدا وأربعين وثلثين يكون للثاني خمسا الربح على قوله وهو أحد وثلاثون وثلثان؛ لأن الباقي بعد أخذ الأول على قول الثاني مائة وثمانمائة وخمسون وثلاثة أخماس، له خمسها ولصاحبه الثالث خمس ولك ثلاثة أخماس ورأس المال على قول الثالث مائة وخمسون -والربح ستة وسبعون وثلثان هي بينك وبين العامل أرباع له منها تسعة عشر وثلثان والباقي لك، وعلى قول سحنون‏:‏ إذا أخذ الأول أحدا وأربعين وثلثين، وعاد المقال بين الثاني وبينك تكون لك مائة لإقراره أن رأس المال مائة والربح مائتان لك نصفها وهو مائة، والأول غصبك وغصب صاحبه وله نصف المائة وخمسين إلا ثلثا، ثم يرجع إلى القائل برأس المال مائة وخمسون والربح كذلك، فهو مقر أنك مبدأ عليهم بمائتين وخمسة وعشرين، وقد كان الباقي يعد ما أخذ الأولان مائتين وتسعة وعشرين ونصفا، لك منها مائتان وخمسة وعشرون، وللثالث أربعة ونصف، وإن قال العاملان‏:‏ إحدى المائتين ربح والأخرى لك، وقال الآخر‏:‏ إحداهما لك والأخرى رأس مال، قال أشهب‏:‏ يصدق المدعى لنفسه المائة ولا شيء لمدعي الربح؛ لأن يده على المائة فيصدق في ملكها‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا خسر في البز، فقلت‏:‏ نهيتك عنه صدق في عدم النهي؛ لأن الأصل عدم العدوان والضمان، قال ابن يونس‏:‏ إن أداك واختلفتما في الإذن في الدين صدقت، والفرق أن العدول بعد القراض بخلاف الثاني‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب قال‏:‏ رددت رأس المال إليك والباقي في يدي ربح صدقت ما دام في المال ربح، قال ابن يونس‏:‏ معناه إذا قال‏:‏ الذي بيدي ربح بيننا لإقراره بقيام حقك، أما لو قال هو نصيبي فقط وأخذت نصيبك صدق مع يمينه‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن اختلفتما في رده صدق مع يمينه إن أخذه بغير بينة، وإلا فلا، هذا مذهب المدونة؛ لأن العادة أن القابض ببينة لا يعطي إلا ببينة خشية منها، وقال محمد‏:‏ يقبل الكري في الرد وإن قبض ببينة، فعلى هذا يصدق ههنا، وينبغي أن يصدق إذا قال‏:‏ رددت المال وهذا ربحه بينا، كما لو ادعى رد بعض رأس المال‏.‏ ‏(‏تنبيه‏)‏ تقدم في الإجارة في الرد أربعة أقوال فتطالع من هناك‏)‏‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب أنفقت في سفري من مالي مائة درهم لأرجع بها في القراض يصدق ربح أم خسر إن أشبه نفقة مثله؛ لأنه مأذون له في الإنفاق والتصرف، وإن ادعى ذلك بعد المقاسمة فلا لانفصال عقد الأمانة بينكما، قال ابن يونس‏:‏ يريد إلا أن يبقي من المال أقل من مائة درهم فليس له إلا ما بقي ولا شيء عليك؛ لأنك لم تأذن له في شغل ذمتك‏.‏ وعن مالك يقبل قوله بعد المقاسمة في النفقة، ولا يصدق في نسيان الزكاة إلا ببينة أو أمر يعرف؛ لأن العادة عدم تأخيرها بخلاف النفقة‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا سئل عن المال فقال عندي وأقر فأردت أخذه، فقال‏:‏ هلك منه كذا، أو قلت‏:‏ ذلك لتقره، عندي لم يصدق، لتقدم إقراره المكذب له‏.‏

فرع‏:‏ قال إذا اشترى جارية فقال لي فيها‏:‏ كذا صدق مع يمينه؛ لأنه أمين في الشراء‏.‏

تمهيد‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يختلف في القراض في سبعة مواضع‏:‏ ضياعه، ورده، وخسارة، وجزء الربح، والذي ربحه، وقدر رأس المال، وهل هو بضاعة، أو قراض، أو قرض، وفي الصحة والفساد؛ فيصدق في تلفه وغرقه وسرقته ونحو ذلك؛ لأنك أمنته، وإن لم يكن أمينا واختلف في تحليفه قال‏:‏ وأرى غير المأمون أن يحلف، وإن قام دليل على كذبه لم يصدق وأغرم، واختلفا في الجزء صدقت قبل الشروع؛ لأن لك الانتزاع، وإلا صدق فيما يشبه؛ لأن له أن لا يسلم إلا بما يريد - كالبائع والأجير، ويصدق في الخسارة؛ لأجل السراق - إن أتى بما يعضد السرقة من القافلة أو الضيعة بما يشبه، ويصدق في الربح فيما يقوله أهل تلك الصنعة وما يشبه دون غيره، وكذلك في ثمن الذي يقدم به، فإن أشكل جميع ذلك صدق بغير يمين إن كان ثقة، وإلا حلف إلا أن يقوم دليل التهمة فيحلف الجميع، وإن شهدت بينة مستورة لا تبلغ العدالة حلف، وفي الجواهر‏:‏ يصدق مدعي الصحة على مدعي الفساد؛ لأنه أصل في تصرفات المسلمين تحسينا للظن بهم على المذهب، ومدعي الفساد عند

عبد الحميد؛ لأن الأصل عدم الانعقاد‏.‏

قاعدة‏:‏ في ضبط المدعي والمدعي عليه، قال عليه السلام

لو أعطي الناس بدعواهم، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر‏.‏ فليس المدعي الطالب ولا المدعى عليه المطلوب، بل من كان قوله على خلاف أصل أو ظاهر فهو المدعي - وعليه البينة، والظاهر ينقسم إلى العادة وظاهر الحال والقرائن الحالية والمقالية، وكل ما أفاد ظن الصدق كمدعي شغل الذمة والأصل براءتها كولادة الإنسان بريئا من جميع الحقوق، ومدعي الرد وقد قبض ببينة، فالعادة تؤثر سوء الظن في الرد بغير بينة، وكمدعي إنفاق مال المحجور فيما لا يشبه عادته، فهؤلاء مطلوبون وهم مدعون وعليهم البينة، ومن كان قوله على وفق أصل أو ظاهر فهو المدعي عليه ويصدق مع يمينه، كخصوم هؤلاء المتقدمين، وبعبارة أخرى‏:‏ المدعى عليه هو أرجح المتداعيين سببا، والآخر المدعي، وعلى هذه القاعدة تتخرج فروع التداعي في القراض وغيره‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لك رد المال ما لم يعمل به العامل أو يسافر وليس لك رده بعد سفره لذهاب عنائه مجانا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا اشترى مثل الزاد ورضيت بأخذه بما يشبه لك ذلك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ كل واحد منكما بالخيار ما لم يعمل، وقاله ‏(‏ش‏)‏ قياسا على الوكالة، فإن شرط نضة واحدة لزمك، وهو بالخيار على المستحسن من القول، ويختلف فيه هل يبقى على الخيار أم يلزمه على أحد القولين في الجعالة، فإن أشغل جميع المال ارتفع الخيار وليس لأحدكما أخذه إلا بعد النضوض أو البعض، امتنع أخذ الجميع؛ لأن ذلك البعض إن

كان الأقل، كان قصره عليه ضررا، وكذلك المساوي أو أكثر فالأقل تبع له، فإن أشغل جميعه ثم نض فأشغل بعضه، فلك أخذ ما لم يشغل لحصول التوفية بمقتضى العقد بالشغل الأول، وإن تجهز بتجارة السفر لم يمنع من السفر إن أذنت له في السفر إذ على القول بأن له السفر من غير إذن إلا أن ينفق سوقها قبل السفر ويحصل ما يرجى في السفر فلك بيعها ومنعه من السفر، وكل موضع تمنع من الأخذ يمنع هو من الرد إلا برضاك‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود قسمان مستلزم لمصلحته عند العقد فشرع على اللزوم تحصيلا للمصلحة وترتيبا للمسببات على أسبابها، وهو الأصل كالبيع، فإن بمجرد العقد يتمكن كل واحد من المتعاقدين من تحصيل مصلحة الثمن والمثمن بالبيع والهبة وأنواع الانتفاع، وكذلك الإجارة وغيرها، وقسم لا يستلزم مصلحته كالقراض والجعالة، فإن المقصود الربح وهو غير حاصل بل ربما ضاع تعب العامل وخسر المال، ومقصود الجعالة رد الآبق وقد لا يحصل ويضيع التعب، فجعلت هذه العقود على الجواز نفيا للضرر عن المتعاقدين؛ لأنه قد تظهر أمارته فلا يلزم بما يتوقع ضرره‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ خمسة عقود لا تلزم بالعقد‏:‏ القراض، والجعالة، والوكالة، والمغارسة، وتحكيم الحاكم‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب ليس جبره على بيع السلع ليرد المال، بل ينظر السلطان ويؤخر ما يرجى لسوقه نفيا للضرر عنه، وإن لم يكن لتأخير وجه بيعت واقتسمتما ربحا إن كان صونا للمال بجعله تحت يدك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إن لم يشغل المال حتى نهيته فتعدى وأشغله، ضمن المال والربح له كالمتعدي على الوديعة، بخلاف نهيك عن سلعة فابتاعها لبقاء الإذن من حيث الجملة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا باع بالدين بإذنك فأردت أن يحيلك به - وفي المال وضيعة فلك إجباره على التقاضي أو يحيلك، فإن كان فيه ربح فعليه التقاضي إلا أن يتركه ويسلم لك ربحك؛ لأن التقاضي من جملة عمله الذي أخذ عليه الجزء، قال ابن يونس‏:‏ إذا أشخص في تقاضي الدين أنفق من المال - وإن كان فيه وضيعة؛ لأنه بقية عمل القراض، قال اللخمي‏:‏ إذا رضيت أن تطوع له بالتقاضي وجزؤه باق جاز؛ لأنه معروف وإن كان على إسقاط الربح فهي أجرة مجهولة على الاقتضاء‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا أراد بيع السلع وأردت أخذها بما تساوي فأنت والأجنبي سواء‏.‏

فرع‏:‏ قال إذا مات قيل‏:‏ لورثته تقاضوا الديون وبيعوا السلع، فإن كانوا غير أمناء وأتوا بأمين فلهم سهم موروثهم، فإن لم يكونوا أمناء ولم يأتوا بأمين أخذت مالك

ولا ربح لهم لعدم العمل، فإن مت فالعامل على قراضه وللورثة أخذ المال إن كان عينا دون السلع؛ لانتقال الحق إليهم كما كان لك، وإذا علم بموتك والمال بيده لا عينا لا يعمل به؛ لانتقال الحق لمن لم يأذن، وإن لم يعلم حتى ابتاع سلعة مضى على القراض؛ لأنه معذور كالوكيل يتصرف بعد الموت، قال ابن يونس‏:‏ يريد وكذلك إذا ظعن بالمال قبل العلم يمضي على قراضه، كما إذا اشترى ومراده إذا علم وهو عين في يده إذا كان في بلدك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا علم بموتك قبل العمل فعمل قبل إذنهم فخسر ضمن، وإن ربح وكان تجره لهم، فالربح بينهم، أو لنفسه، فالربح لك، فإن تجر قبل العلم فخسر يختلف هل يضمن لخطئه، أو لا لشبهة الإذن - وإن ربح فعلى القراض، وإذا قال للغرماء أضمن لكم مالكم وأقروا المال في يدي، فإن كان المال عروضا أو دينا على الناس وقال ذلك لينض ويقضيهم، فإن عجز أتم لهم أخذه وضمانه تفضل منه وإن قال ذلك ليتجر فيه امتنع؛ لأنه ضمان بجعل، إلا أن يعلم أن غرضه التخفيف عن الميت فيلزمه الضمان كالضمان عن الميت ولا يلزم ورثة العامل استئجار على العمل من مال الميت، لتعلق العمل بالمال دون الذمة، فإن لم يكونوا أمناء أو عجز هو وسلم المال وفيه ربح، ليس لهم منه شيء عند مالك وابن القاسم، وكذلك في المساقاة، وعلى قوله في المجاعل على البئر يتركه اختيارا بعد بعض العمل فيستأجر صاحب البئر على إتمامه يكون للأول بقدر ما انتفع، فيكون للورثة ههنا، وإذا مات الأجير ليس لوارثه القيام ببقية العمل، بل له من الأجرة بقدر ما عمل موروثه، والفرق أن القراض لا يستحق فيه شيء إلا بالتمام، فكان الوارث كذلك، بخلاف الإجارة، وإذا كان الوارث مولى عليه نظر الوصي، فإن لم يكن في المال فضل، أو كانت أجرة الإجارة لا تفي به أو مثله سلم المال، وإلا استأجر عليه، وإذا كانا عاملين فمات أحدهما واشترى الآخر بجميع المال، قال ابن القاسم‏:‏ خيرت بين البقاء على القراض وبين

تضمينه؛ لأنه لم يكن له الشراء إلا بإذنك لأجل موت شريكه، فإن اشترى قبل الموت ببعض المال، كان ورثة الميت شركاء فيما اشترى قبل الموت، ويعملون معه فيه، وما اشترى بعد الموت خيرت فيه‏.‏

سؤال‏:‏ ينتقل للوارث عمل القراض والمساقاة، وخيار البيع، والرد بالعيب، والأخذ بالشفعة وهو كثير، ولا ينتقل إليه الإيلاء ولا النكاح ولا خيار البيع إذا جعل الأجنبي وهو وارثه وهو كثير مع أن الجميع حق للموروث، ومن مات عن حق فلورثته، فما الفرق‏؟‏ وما ضابط البابين‏؟‏

قاعدة‏:‏ كل ما كان مالا أو متعلقا بالمال انتقل للوارث؛ لأن المال يورث، فيورث ما يتعلق به من خيار وعمل، وكل ما كان متعلقا ببدن الموروث كالنكاح أو رأيه وعقله - كخيار الأجنبي لا ينتقل؛ لأن الوارث لا يرث عقله ولا بدنه، وبهذه القاعدة تظهر الفروق والضوابط بين البابين‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا لم يوجد القراض أو الودائع بعد الموت ولم يوص بها، فهي في ماله لتفريطه يحاص بها غرماؤه، وإن أقر بقراض بعينه أو وديعة بعينها في مرضه - وعليه دين ببينة في صحته، أو بإقراره في مرضه هذا قبل إقراره بذلك أو بعد قرب القراض أو الوديعة، أخذ ذلك بعينه دون الغرماء، لقوة تعلق الحق بعينه، وإن لم يعينها حوصص بها مع الغرماء؛ لأن الجميع سواء، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ هذا في الموت، وأما في الفلس إن عينها اختص بها، وإلا فلا يحاصص، كما يصدق على الغرماء في الدين، وهذا هو المشهور وفيه

خلاف، قال اللخمي‏:‏ إذا لم توجد الوديعة ولم يوص بها، اختلف هل تكون في ذمته أم لا‏؟‏ وعلى القول بعدم كونها في الذمة لا يكون القراض في الذمة، بل أولى لإمكان تسلف الوديعة، بخلافه شرعا، وإذا خلف مالا ولم يكن معه مال لنفسه فإن محمله على أنه للقراض قليلا كان أو كثيرا، إلا أن لا يشبه فيكون لصاحب القراض ما يشبه، والزائد ميراث، وإن كان معه مال لنفسه يعلم قدره ووجد المالان مختلطين فض الربح على قدرهما على ما يقول رفقاؤه أنه ربح في كل صنف، فإن جهل فعلى قدر المالين، وكذلك الخسارة إذا لم يكن في الموجود وفاء بالتجارتين، فإن علم أنه خسر في أحدهما، حملت الخسارة عليه، وإلا فضت عليهما، وإن جهل ماله وعلم قدره اشتركا في الربح والخسارة بما لا يشك أنه كان له، فإن جهل قدره وكان في سلع القراض ربح، بدئ بمال القراض وبما يرى أنه ربح فيه والباقي ميراث‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا نفقة للعامل المقيم ولا كسوة؛ لأن الشرط إنما تناول جزء الربح ولا ينفق في تجهيزه للسفر، وينفق إذا سافر لطعامه وما يصله بالمعروف - ذاهبا وراجعا - إن حمل المال ذلك، وتلغى النفقة قرب السفر أو بعد وإن لم يسم شيئا وله ما بقي بعد النفقة ولا ينفق إذا رجع إلى مصره؛ لأن عادة السفر دون الحضر يقضى بها ويكتسي في السفر البعيد إن حمل المال دون قريبه إلا أن يقيم بموضع إقامة تحوج للكسوة، ومنع ‏(‏ش‏)‏ النفقة والكسوة مطلقا؛ لأنها على نفسه قبل العقد فتبقى عليه، ولأنها زيادة جهالة في الأجرة، واشتراط منفعة

يختص بها العامل، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏، لنا أن السفر لأجل المال فتجب نفقته كأجرة الحمال والكيال، ولأن نفقته لو كانت على نفسه، لاستغرقت الربح فيضيع عناؤه، ولأن الربح قبالة التجارة، والنفقة لتسليم نفسه كالصداق، والنفقة في النكاح، ولأنه عرف فكان كاشتراطه جزء من الربح ويرد على الأول أن ذلك على المال فكانت على المال، وهذه عليه قبل العقد، وعلى الثاني النقض بنفقة الحضر، وعلى الثالث لو صح التشبيه لوجبت في الحضر، وعلى الرابع منع العادة والمعارضة بالقياس على الوكيل والأجير، وبالجملة فالعمدة العادة، ويقال‏:‏ إن الإجماع منعقد قبل ‏(‏ش‏)‏، والمقيم شأنه النفقة على عياله من غير قراض، فالسفر يجدد عليه ما لم يكن، وبه يظهر الفرق في أقيسة المعارضة، قال ابن يونس‏:‏ قال الليث في الكتاب‏:‏ إن شغل الحاضر البيع تغدى بالإفلاس وأباه مالك، وليس في قليل المال نفقة ولا كسوة ولا ركوب، قال محمد‏:‏ وليس لذلك حد، غير أن الأربعين كثير عندي والبضاعة مثل القراض في النفقة والكسوة فينفق من السلعة تبعث معه يبيعها ويشتري بها سلعة قاله‏:‏ محمد قال ابن يونس‏:‏ أما إن خرج لتجارة نفسه فبعث معه البضاعة فالعرف عندي أن لا شيء له بخلاف إذا خرج لها، قال التونسي‏:‏ له النفقة في القراض في ذهابه ورجوعه - ولو رجع إلى بلده؛ لأن المال أخرجه، فلو دفع به المال بغير بلاغ فلا نفقة له في رجوعه به إلى بلده، بخلاف رجوعه إلى بلده بالمال، وكذلك قال ابن القاسم‏:‏ إذا كان له بلدان يقارض في أحدهما فلا نفقة في خروجه إلى البلد الآخر ولا في رجوعه؛ لأنه يتردد بين بلدين من غير قراض،

وقال أشهب‏:‏ له النفقة ذاهبا وراجعا؛ لأن حركته لأجل القراض، وإذا تزوج ببلد انفق حتى يدخل فتصير بلدا له‏.‏ قال سحنون‏:‏ ليس له السفر بالمال القليل إلا بإذنك، قال‏:‏ وفي النفقة والكسوة في البضاعة نظر؛ لعدم العادة ولا ينفق في المال اليسير إلا أن يأخذ من غيره قراضا أكثر فينفق ما يخصص لعدم الاجحاف مع المحاصة‏.‏ فإن أخذ القراض وسافر للحج أو للغزو فلا نفقة؛ لأن خروجه لغيره، إلا أن يقيم بعد قضاء ذلك العمل بالمال، فينفق قدر إقامته، وينفق في الرجوع من عند نفسه، فإن خرج لحاجة نفسه وحمل معه رأس مال قضت النفقة على ذلك استحسانا قاله‏:‏ ابن القاسم، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ لا نفقة له كالغازي، قال ولعل مراد ابن القاسم‏:‏ أنه خرج لإصلاح ماله، أما لو خرج لزيارة أهله فلا نفقة كالحج، قال اللخمي‏:‏ لو عقد نكاحا قبل أخذ المال ليبني بها في غير البلد، أو يبني في البلد ثم يخرج فأقام لأجل المال أنفق كالمسافر، وإن نوى البناء بعد الخروج لأمر، ثم يقيم إذا أتى لم ينفق، وإن تزوج بعد أخذ المال؛ لأجل مقامه للعمل بالمال، ولولاه لم يتزوج ولم يقم لم تسقط النفقة، ومحمل قول مالك في عدم نفقة المقيم أن العمل لم يقطعه عن الوجوه التي ينفق منها، فقد يكون منقطعا قبل المقارضة، أما إن عطل صناعته لأجل المال، أنفق كالمسافر، قال عبد الوهاب‏:‏ للمسافر النفقة والكسوة التي لولا السفر لم يحتج إليها في الحضر، ومحمله على من كانت مؤنته في المقام من غلات أو متاجر يرجو حوالة أسواقها، أما المدير أو ذو الصنعة يعطلها لأجل السفر، فله جميع النفقة والكسوة كقول مالك‏.‏

فرع‏:‏ في المنتقى إذا اشترط عليه عدم النفقة في السفر البعيد منعه مالك؛ لأنه

خلاف وضع القراض، قال ابن القاسم‏:‏ فإن وقع أمضي كاشتراط الجزء من الربح لك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب من أخذ قراضا بغير بلده ليقيم بتجر فيه، فله النفقة؛ لأن المال حبسه إلا أن يوطنها، ولو أخذه بالفسفاط وله به أهل فخرج به إلى بلد له به أهل، لم ينفق ذاهبا وراجعا؛ لأنه خرج عن أهله ورجع إليهم ولو أخذ في غير بلد أهله ثم رجع إلى البلد الذي فيه أهله فتجر هناك لم ينفق في ذهابه إلى أهله ولا في إقامته عندهم، وأنفق في رجوعه، قال ابن يونس وعن أشهب‏:‏ إذا أخذه بالفسطاط وله به أهل وبالإسكندرية أهل، فخرج إلى الإسكندرية له النفقة ذاهبا وراجعا دون إقامته عندهم‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر سئل مالك عن الحجامة وشرب الدواء ودخول الحمام للعامل، فقال ما كانت هذه قديما وخفف في المتمرض في الحمام والحجامة، وإذا سلب اكتسى من القراض‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب له أن يؤجر من مال القراض من يخدمه في السفر إن كان المال كثيرا ومثله لا يخدم لنفسه، ويؤجر للأعمال المحتاج إليها ويكتري البيوت والدواب ولا يهب شيئا ولا يكافئ لعدم الإذن وله أن يأتي بطعام يأتي غيره بمثله إن لم

يستعمل التفضل، وإذا ضم إلى المال قراضا لنفسه أو لغيره، وزعت النفقة على المالين وإن أنفق من عنده رجع في مال القراض، فإن هلك لم يلزمك لتعلقه بالمال دون الذمة وكذلك إن اشترى بجميع المال سلعا واكترى من عنده، فإن أديته وإلا أخذه من ثمن المبتاع وان اغترقه لتعلقه به، وإن لم يوف فلا شيء له، ولا يكون شريكا في السلع بالكراء، وأما صبغ الثياب أو قصرها فكزيادة في الثمن إن دفعتها إليه، وإلا شارك بما أدى؛ لأنه عين قائمة بخلاف الكراء، وقال غيره‏:‏ إن دفع إليه قيمة الصبغ لم يكن الصبغ على القراض؛ لأنه كقراض ثان على أن يخلط بالأول بعد العمل بخلاف زيادة العامل على رأس المال في الثمن؛ لأنه كقراض ثان قبل شغل المال الأول؛ لأن الصبغ بعد الشراء، فإن أعطاه قيمة الصبغ لم يكن على القراض، ولك أن لا تعطيه ذلك وتضمنه قيمة الثياب؛ لأنك لم تأذن له في السلف، فإن أبيت تضمينه، كان شريكا في الثياب بقيمة الصبغ من قيمة الثياب، قال صاحب النكت‏:‏ إذا صبغها بمال من عنده الخلاف بين ابن القاسم وغيره في ثلاثة مواضع‏:‏ إذا دفعت إليه ما ودى، كان على القراض عند ابن القاسم ولا يكون عليه عند الغير بل شريكه فيقسم الربح على رأس المال وقيمة الصبغ، فما ناب رأس المال فعلى شرطهما، وقيمة الصبغ وما حار لهما من الربح فلك وله أجرة مثله‏.‏ الثاني لك أن لا تعطيه شيئا وتضمنه قيمة الثياب عند الغير وابن

القاسم لا يرى تضمينه، والثالث ابن القاسم يقول إذا لم تدفع إليه، فهو شريك بما ودى، وعند الغير إذا لم تضمنه ولا أعطيته شيئا يكون شريكا في الثياب بقيمة الصبغ من قيمة الثياب لا بما ودى، قال اللخمي‏:‏ إذا أخذ مالين كل واحد منفردا لا يحمل النفقة ويحملان النفقة مجتمعين، له النفقة عند ابن القاسم والقياس عدمها؛ لأن كليها يقول مالي لا تجب فيه النفقة وليس لغيري إدخال الضرر علي، وكذلك إذا كان أحدهما كثيرا والآخر قليلا، لم أر على القليل شيئا‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ يوجب الصبغ الشركة في خمس مسائل القراض كما تقدم، والثوب المستحق بعد شرائه إذا أبيت من دفع قيمة الصبغ وأبى المشتري من دفع قيمة الثوب أبيض، والثوب الذي فلس ربه شارك الصباغ صاحب الدين، والثوب الذي اطلع على عيبه بعد صبغه يشارك بما زاد الصبغ، والثوب الواقع في المصبغة من غير قصد يشارك بما زاد الصبغ، ولا يوجب الشركة في ثلاث مسائل‏:‏ صبغ الغاصب وليس له فيه إلا المراجعة بما لكل واحد منهما، وصبغ الثوب الذي غلط في دفعه المشتري، وكذلك القصار إذا دفع غير الثوب غلطا فصبغه الآخر، فإنه يتراجع هو وصاحب الثوب المصبوغ دون القصار‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ مسائل الخمسين خمس‏:‏ الأربعون إلى الخمسين تجب فيها النفقة والكسوة في القراض والبضاعة، والخمسون ثمن الرائعة، وقيل‏:‏ الستون دينارا في حيز القليل ويكون وصي الأم وصيا فيها، والخمسون إلى الستين حيازة على الأقارب، والخمسون سنة التعنيس‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا ضاع بعضه قبل العمل أو بعده أو خسره، لم يضمنه وهو أمين، فإن عمل ببقيته جبر بربح ذلك ويقتسمان ما زاد على ذلك ولا يفيد جعلهما رأس المال ما بقي والمحاسبة حتى يقبضه منه؛ لأن وضع القراض أن تجبر خسارته بربحه، وما استهلكه أو تسلفه ضمنه ولا حصة له من الربح؛ لانتقاله عن القراض إلى الذمة بالضمان والباقي رأس المال، قال اللخمي‏:‏ إذا ضاع بعد الشراء قبل النقد خير بين إخلافه ويكون المتاع قراضا ورأس مال القراض ما يدفعه إلا أن يكون المتاع له؛ لأنك لم تلتزم غير ما دفعت، وقال المغيرة‏:‏ تجبر على الإخلاف؛ لأنك أدخلته في الشراء‏.‏

فإن كانت مائة فضاع خمسون خيرت بين الإخلاف ويكون رأس المال مائة وخمسين، أو لا تخلفها ويغرمها العامل ويشارك بالنصف، وإذا اختلفتما فبيع المتاع بمائة وخمسين وقراضكما على النصف فله اثنا عشر ونصف؛ لأن نصف السلعة على القراض الأول ورأس ماله مائة ولا شيء للعامل فيه، ونصفها للقراض الثاني ورأس ماله خمسون، وله نصف ربحها، ولا يجبر الأول بربح الثاني؛ لأنهما قراضان؛ لدفعك بعد الشغل الأول وإن لم تخلفها شارك بالنصف فيما يباع به ولا ربح له فيما ينوب القراض إلا أن يبيع بأكثر من مائتين ولك أن تخلف خمسة وعشرين ويكون المتاع بينكما على أربعة أجزاء‏:‏ ربع للعامل، وربع لك علي للقراض رأس ماله خمسة وعشرون، ونصف على القراض الأول، فإن باع بمائتين فله اثنان وستون ونصف، خمسون عن نصيبه منها - وهو الربع، واثنا عشر ونصف نصيبه من الربح عن الربع الآخر، ولا شيء له في

النصف؛ لأن ربحه جبر للوضيعة؛ فإن قدر بعد ذلك على غاصب الخمسين، كانت الربح فتقسم، ولو أكل خمسين وتجر في خمسين فصارت مائة وخمسين، فلك رأس مالك مائة، قال ابن القاسم‏:‏ إذا كان القراض ألفا فاشترى بها عبدا قيمته ألفان، فنقصه السيد بجناية ألفا وخمسمائة، فتجر في الخمسمائة فهو على القراض الأول ولا يكون فعل السيد مفاصلة، وقال عبد الملك‏:‏ إذا أحضر المال وحاسبه ولم يقبضه وخلا رأس المال مما بقي بعد المحاسبة، فهو فسخ للقراض الأول، ولو أعلمه بالنقصان ولم يحضره، صح أيضا عند ابن حبيب، قال ابن يونس‏:‏ لا يقسم ربح إلا بعد كمال رأس المال، قال التونسي‏:‏ إذا ذهب اللص بجملة المال فأعطاه غيره فلا جبر، إنما الجبر إذا بقي من الأول شيء‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب ربح في المائة مائة، ثم أكل مائة، ربح في الباقي فالمائة في ضمانه والباقي على شرطهما، ولو ضاع لم يعد ما في ذمته ربحا إلا بعد رأس المال‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إن فلس وقد أخذ من المائة خمسين قبل أن يتجر ثم تجر في الباقي فصار مائة ثم فلس، فعلى ما تقدم يكون أحق بالمائة من الغرماء ويحاصص بالخمسين؛ لأن الربح أولى أن يجير به من أن يكون للعامل كما لو ضاع خمسون وتجر في الباقي فصار مائة فإنك أولى بها‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا اشترى فضاع المال أو تسلفه قبل النقد غرمه العامل ولا شيء عليك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا خاف إن قدم ماله أو أخره عن مال القراض، وقع الرخص في ماله، فالصواب خلطهما ولا يضمن؛ لأن ذلك ليس تعديا، ويمتنع اشتراط الخلط؛ لأنها منفعة لك، ولا يجوز له أن يشارك؛ لأن يد الشريك تصير على المال وقد لا ترضى أمانته ويضمن للتعدي، ولا عاملا آخر كما لا يستودع الوديعة عند من لك عنده وديعة، وقد يؤتمن الرجل على القليل دون الكثير، ولا يبيع أحدهما من الآخر بمحاباة؛ لأنه خلاف مقتضى العقد، ولا يبضع مع غيره بضاعة، ويضمن إن فعل - ولو كان ذلك مع عبد لك اشترط معونته، ولا يوجه مع عبده بعض المال لبلد ليتجر فيه؛ لأنك لم تأتمن عبده ولا عبدك وتضمن، وتعذر في الإيداع في السفر وبخراب المنزل أو كونه ليس حرزا وليس عنده من يثق به قال ابن يونس‏:‏ قال أصبغ لا يمتنع اشتراط الخلط بل يكره ولا يفسخ، ولم يكرهه أشهب، ولو ربح في أحدهما ولم يتعين فلا شيء له في الربح، وهو بين صاحبي المالين؛ لأنهما بيد أعيان، ولا يمكنه إيداعها؛ لعدم تعين حقه في أي من توجه لخصومته قاله في المدونة، قال سحنون‏:‏ وإن أخذ من رجل على النصف ومن آخر على الثلث، فاشترى سلعتين صفقتين بثمنين

مختلفين، فكل مال على حدة، ثم أشكلت الرفيعة من أي المالين هي فادعاها صاحب المالين فلا ضمان عليه، كما لو اختلطت الودائع بالنسيان، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان الوديعة الكثيرة وتبقى القليلة بيده، وكذلك هاهنا، وعن ابن القاسم إذا اشترى بالمالين جاريتين فاختلطتا عليه، ضمن قيمتهما إلا أن يرضيا بالشركة فيهما، فإن خسر لم يكن عليه شيء أو ربحا فعلى شرطه‏:‏ ويجري الخلاف الذي فيمن أودع مائة فادعاها رجلان ولم يدر المودع لمن هي‏؟‏ قيل يضمن لكل واحد منهما مائة، وقيل‏:‏ لا ضمان عليه ويعذر بالنسيان ويقتسمانها بينهما، والذي تقتضيه قاعدة التداعي إذا كان لأحدهما عشرة وللآخر عشرون فاشترى جارتين قيمة إحداهما أربعون والأخرى عشرون وأمكن أن تكون ذات الأربعين هي المشتراة بعشرة والمشتراة بعشرين فبيعت الواحدة بأربعين، فادعياها‏:‏ فيقول صاحب العشرة لي ربح ثلاثين، لكل واحد خمسة عشر، ويقول الآخر لي ربح عشرة وللعامل عشرة، فيقال له‏:‏ سلمت خمسة من الربح لصاحب العشرة؛ لأنك لا تدعي من الربح إلا عشرة وهو يدعي خمسة عشر تقسم بينكما عشرة، فيأخذ صاحب العشرة ثلث نصف الربح، وعن ابن القاسم عكس هذا وقال‏:‏ يقتسمان على قدر رأس ماليهما، وعن ابن القاسم إذا شارك فيما لا يغاب عليه لم يضمن، قال اللخمي‏:‏ شركة العامل ثلاثة أوجه‏:‏ يجوز إذا كانت في شراء شيء بعينه ينفرد بشرائه ويكون عنده، أو يليان الشراء جميعا، أو يكون تحت أيديهما، فإن نظر العامل يغيب، ويمتنع إذا كان الآخر هو متولي الشراء أو تحت يده لاستقلال من لم يؤمنه بالتصرف والحفظ، ويجوز في غير المعين إذا انفرد العامل بالشراء،

أو اجتمعا ويكون تحت يده أو يديهما؛ ويمتنع إذا كان الآخر هو المتولي للشراء والدفع، ويختلف في الضمان، فإن انفرد الآخر بالشراء والدفع، ضمن الخسارة الضياع، وكذلك إذا انفرد بالشراء وكانت تحت يدك، فإن وليت الشراء وجعلت تحت يد الأجنبي ضمن الضياع لتسليمه دون الخسارة؛ لأن الشراء كان بنظرك فإن كنت فقيرا والأجنبي غني عالم بأن المال قراض لا تضمن خسارة ولا ضياعا، كمن اشترى من غاصب ثم باع ثم استحق لا ضمان على المشتري - وفيه خلاف، وإذا أبضع مع غيره فخسر أو ضاع ضمن لتعديه، فإن ربح والبضاعة بأجرة، فللأجنبي أجرة المثل من ذمة العامل، ثم إن كانت أكثر من الجزء فخسارة ما بين ذلك على العامل، أو أقل فالفضل لرب المال؛ لأنه إنما جعل للعامل ليعمل بنفسه فلم يعمل، فإن كانت البضاعة على وجه المعونة للمكارمة للعامل بغير عوض، فللعامل الأقل من الجزء أو أجرة المثل؛ لأن الأجنبي لم يتطوع بعمله إلا للعامل، قال صاحب النكت‏:‏ قيل‏:‏ إن وهب أو حابى يجوز في نصيبه ويتفاصلان في الوقت؛ إذ ليس له تنقيص مال القراض، وإذا باع أحد العاملين من صاحبه بمحاباة والمالان لك إن خسرا جميعا فلا مقال لك، وإنما تقوم حجتك إذا خسر المحابي؛ لأنك تقول لو كان معه الذي حابى به لم يخسر‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا يقارض إلا باذنك وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأنك لم ترض أمانة غيره، وجوز له ‏(‏ح‏)‏ الابضاع والإيداع؛ لأنه من جملة التصرف في المال

الذي فوض إليه تنميته وحفظه، فإن أخذه على النصف فتعدى فدفعه بالثلثين ضمن وربح الثاني بينكما نصفان، ويرجع الثاني ببقية الثلثين على الأول، وكذلك المساقاة ولو خسر مع الأول النصف ثم دفعه للثاني على شرطه فزاد الربح ولم يعلم الثاني بذلك، أخذت رأس المال ونصف الزائد، وأخذ الثاني ما بقي ويرجع على الأول بتمام النصف من الربح على النصف الذي أخذه، وقال أشهب‏:‏ لا يحسب رب المال على الثاني إلا النصف مع رأس المال فيأخذه ونصف الربح عليه؛ لأنه الذي أخذه، فإن أتلف الأول النصف متعديا رجع عليه بتمام عشرة ومائة؛ إذ أصل المال ثمانون، وإن هلك بأمر سماوي رجع بتمام تسعين عشرة بقية رأس المال، وعشرة حصته من الربح، ولا يأخذ ذلك من الثاني فيظلمه ويبطل عمله، ورجوعه على الأول لتعديه، وإذا أمر من يقتضي الديون بغير أمرك، ضمن ما تلف بيد الوكيل‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا اشترطت ألا يبيع إلا بنسيئة فباع بنقد، لا يكون هذا القراض جائزا؛ لأنه شرط على خلاف العقد، قال غيره‏:‏ هو متعد كما لو اشترطت ألا يشتري إلا صنفا فاشترى غيره ضمن والفضل والوضيعة لك وعليك ولا أجرة له في الوضيعة وله في الفضل قراض مثله؛ لأن أجرة مثله قد تذهب بالفضل كله وبنصف رأس المال، وهو متعد فيكون نال بتعديه ما طلب‏.‏ قال التونسي‏:‏ ولم يجب ابن القاسم ماذا يكون إذا نزل وعنده إذا أمر رجلا ببيع

سلعة نسيئة فباع بنقد ففاتت، ضمن قيمتها نقدا، فإن باعها نقدا بأكثر من قيمتها أو قيمتها لم يضمن؛ لأن ما سمي من الأجل لا عبرة به، ومن مذهبه في التحجير في القراض يرد إلى أجرة المثل، فلما أمره إلا يبيع ما اشترى إلا بنسيئة فقد أذن في الشراء فهو غير متعد فيه فله أجرته في الشراء ويفسخ القراض، فإن باع بنسيئة فلا تعد فله أجرة مثله ويفسخ ويقتضي رب المال الثمن أو ينقد فسخ إن كانت قائمة، فإن فاتت وما باع به ثمنها لم يضمن شيئا ولا أجرة له في بيعها؛ لأنك تقول‏:‏ أغرمك قيمتها يوم التعدي، فلا شيء علي من إجارة البيع وعليك أجرة الشراء‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ إذا باع بالنقد خيرت بين إجارة البيع وله أجرة مثله في الشراء والبيع بالغة ما بلغت، وبين رده وله أجرة مثله في الشراء دون البيع، فإن فاتت عند المشتري خيرت بين تضمينه قيمتها، وله أجرة مثله في الشراء أو تأخذ الثمن وله أجرة مثله في الشراء أو البيع، هذا الذي يجري على مذهب ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا باع فأخرت المبتاع بالثمن جاز ذلك في حصتك، فإن هلكت وقد قبض حصته لم ترجع عليه، وكذلك تجوز هبتك في حصتك‏.‏

فرع‏:‏ منع مالك وأصحابه مع القراض شرط سلف أو بيع أو كراء أو إجارة أو قضاء حاجة؛ لأنها إجارة بأجرة مجهولة، ولا يشترط أحدكما لنفسه شيئا خالصا؛ لأنه غرر، فإذا نزل ذلك فهو أجير إلا أن يسقط الشرط قبل العمل، قال صاحب المقدمات‏:‏ شروط القراض ثلاثة أقسام‏:‏ ما يخرجه عن سنة

القراض وما لا يخرجه - وهو قسمان ما يجوز ابتداء من غير كراهة مثل أن لا يشتري حيوانا ولا يركب البحر، ولا يخرج من البلد ونحوه، وما يكره ابتداء، فإن نزل مضى كالتجار ينزلون بمكان فيعطي أحدهم الآخر المال على أن يشتري ويبيع منهم ونحوه، وما يفسده يفسخ به قبل العقد وبعده، ويرد إلى مساقاة المثل أو قراض المثل، بخلاف المساقاة التي يرد فيها إلى مساقاة المثل، لا تفسخ بعد العقد، وحيث يفسخ فيتمادى في بيع عروض القراض حتى ينض المال‏.‏

وحكى عبد الحق عن بعض الصقليين‏:‏ لا يفسخ ما يرد فيه إلى قراض المثل بعد العمل – كالمساقاة - يريد إذا عثر عليه بعد الشغل في السلع لا يردها سلفا ولا يجبر على بيعها إلا في سوقها، ولا يريد التمادي بعد نضوض المال فليس حينئذ خلافا لقول ابن حبيب ومحمد المتقدم، والفرق‏:‏ أن المساقاة لها أجل فينتظر، وإن كان أعواما، والقراض لا أجل له بل نضوض المال، فإذا شرع استوى قراض المثل ومساقاة المثل في التمادي إلى الأجل المعين اللآئق بهما، وفي الكتاب إذا شرطت أن يسلفك العامل فهو أجر الربح؛ لأنه نفع، فلو اشترطت إخراج مال من عنده يعمل به مع مالك امتنع، لانتفاعك بتكثير المال، قال ابن يونس‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إلا أن يقل حتى لا يقصد به التكثر، وإن وقع الكثير أمضيته على قراضهما ما لم يقصد تكثير الربح‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا شرطت عليه ضمان المال - إن هلك، وأنه غير مصدق في دعوى الهلاك، سقط الشرط ولم يضمن، وله قراض المثل عند ابن القاسم، وقال مالك‏:‏ الأقل من المسمى أو من قراض المثل‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع بيعك عبدا من القراض بغير إذن العامل وله رده

وإجازته؛ لأن العمل مفوض إليه بعقد يوجب استحقاقه، بخلاف الوكيل فلا ينزع التصرف من يده كالأجير ولم يوقفه ‏(‏ح‏)‏ على إجازته كالوكيل‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يكره أخذ القراض على أن لا يشتري به حتى يبلغ ذلك البلد المعين؛ لأنه تحجير، قال ابن يونس‏:‏ وعند ابن القاسم جوازه؛ لأنه قد يكون مقصد القراض، قال اللخمي‏:‏ سفر العامل ومنعه ستة أقسام إن لم يشترط المقام ولا السفر فله السفر عند مالك؛ لأنه شأن القراض وقاله‏:‏ ‏(‏ح‏)‏، ومنع ‏(‏ش‏)‏ السفر إلا بإذنك للغرر بالمال في البراري والبحار وجوابه الإذن العادي حاصل في ذلك، ووافق ابن حبيب ‏(‏ش‏)‏، قال‏:‏ والحق أنه إن كان شأنه السفر سافر، أو صانعا أو مديرا شأنه الإقامة لا يسافر، وإن حجر عليه في السفر جاز وقيل‏:‏ يمتنع؛ لأن المتجر قد يضيق عليه كلاهما لمالك، فإن خالف فهو متعد ضامن، وإن أباح له السفر مطلقا أو موضعا معينا أو المواضع إلا موضعا معيناً جاز، وإن شرط عليه السفر ومنعه من التجر في البلد، منعه ابن القاسم، وأجازه أصبغ، وعلى أصله يجوز أن يقارضه فيما يدخر يجوز؛ لأن تأخيره كالتأخير عن البلد ولو كان شأنه السفر فاشترى ما يجلس به للتجارة فهو متعد، وكذلك لو كان بزازا فاشترى غير شأنه‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع بيعه بالنسيئة إلا بإذنك خلافا ‏(‏ح‏)‏ فإن فعل ضمن؛ لأنه الذي غرر بالمال، وإن احتال بالثمن على مالئ أو معدم إلى أجل ضمن قيمته

يوم البيع إذا تلف، وإذا باع بالنقد فاحتال ضمن الثمن بعينه‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا يشترط عليه أن لا يشتري إلا البز للتحجير، إلا أن يكون موجودا في الشتاء والصيف، وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏، وجوزه ‏(‏ح‏)‏ في النادر كالوكالة وحيث جاز الشرط فلا يتعداه ولا يبيع البز بعرض غيره لئلا يبتاع غير البز وله اشتراط ذلك بعد أخذ المال وقبل تحريكه في شيء، ولك اشتراط أن لا ينزل واديا ولا يسير ليلا ولا في بحر ولا يشتري سلعة كذا، فإن فعل ضمن، فإن اشترطت أن لا يشتري سلعة بعد العقد فاشتراها ضمن، ولك أخذها للقراض؛ لأنه شراء فضولي تصح إجارته ولك تضمينه المال، فلو باعها فالربح على شرطكما، والوضيعة عليه خاصة للمخالفة، وكذلك إن سلف من المال ما اشترى بها سلعة لنفسه، ضمن الخسران للشراء لنفسه - والربح بينكما للشراء بمال القراض، وإذا اشترى المنهي عنه فحصل فيه وضيعة، أو تجر بما تعدى فيه فخسر فقال غرماؤه‏:‏ أنت أسوتنا، إن ضمنته فأنت أحق بالعين منهم؛ لأنه مالك وإن شئت أن تشركه في السلع أو تسلمها أو تضمنه رأس المال، فإن أسلمتها كنت أسوة بالغرماء، وإن نهيته عن الخروج بالمال من مصر فخرج به ورده عينا قبل أن يتجر فيه، فتجر بمصر فخسر أو ضاع، لم يضمن لرده قبل تحريكه، كراد الوديعة بعد إنفاقها، وإن هلكت بعد تجهزه للسفر، فله الخروج لحقه في ذلك بالعقد، فإن شرطت للعمل حانوتا معينا أو سوقا أو لا يشتري إلا من فلان، أو على أن يزرع امتنع للحجر وهو أجير، والزرع والربح والخسارة لك وعليك، قال صاحب القبس‏:‏ لا يشتري إلا من فلان وهو متسع الحال يجوز عند أصحابنا

قياسا على الصنف المتسع‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن لم يشغل حتى نهاه عن التجر فاشترى متعديا ضمن المال والربح له كالمشتري بوديعة سلعة، بخلاف نهيه عن سلعة فيشتريها؛ لأنه مأذون له في حركة المال من حيث الجملة فليس له أن يستبد بالربح بتعديه، وهذا مالم يقر بشرائها للقراض، وإلا فالربح على القراض، ولا يخرجه ذلك من الضمان، وليس له منعه من السفر بعد الشراء، لتعلق حقه بالسفر، قال اللخمي‏:‏ لك نهيه على أحد القولين بعد شغل المال فيما لا غاية له كالكراء مشاهرة، واختلف إذا اشترطت عليه أن يزرع به فأجيز وكره، فإن زرع من غير شرط جاز، فإن خسر؛ لأنه لم يتم أو لرخص السعر لم يضمن، وإن ظلم ظلما حادثا لم يضمن، أو متقدما وهو عالم به ضمن كانت الخسارة من الزرع أو الظلم؛ لتعديه في أصل فعله، والثمن في ذمته في أول ما زرع، وإن عمل مساقاة بشرط فعلى الخلاف، أو بغير شرط جاز على ما تقدم في الزرع، وإن أخذه على أن لا يتجر إلا في البز فتجر في غيره فخسر ضمن، أو ربح فعلى القراض؛ لأنه لا يجوز الربح بتعديه، والقياس أن له الأقل من ثلاثة‏:‏ المسمى، أو قراض المثل، أو أجرة المثل‏.‏ قال التونسي‏:‏ إن تعدى فأسلم في طعام، قال ابن القاسم‏:‏ يغرم رأس المال وينتظر بالطعام حتى يقبض، فإن كان فيه ربح اقتسماه، وفي كتاب محمد إذا قام غرماؤك بعد خروجه بالمال وأمكن بيع السلع بيعت وأخذه الغرماء، وأما غرماؤك فلا شيء لهم إلا بعد وصول المال إليك لعدم استحقاقه قبل ذلك، قال‏:‏ والأشبه ألا يكون ذلك أيضا لغرمائك لتعلق حقه ويمتنع أن

يشترط عليه شراء حيوان للنسل أو للغلة، أو يشتري بدين، للتحجير وما تسلف أو اشتراه بدين بأكثر من رأس مال القراض، فربحه له دونك؛ لأنه ضمن الأصل، ولو اشترى ظهرا فأكراه ضمنه ابن القاسم، وإن لم يشترط عليه غرم ذلك، بخلاف أن يزرع؛ لأن الغالب أن القراض لا يقصد لذلك، قال‏:‏ مع أن هذا الفرق يشاركه الزرع فيه‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ إذا أخذ المال ليشتري به سلعة أي أخذه قبل شراها ولم يسمها لك ولا بائعها بل قال‏:‏ وجدت سلعة رخيصة فأعطى ثمنها جاز، وقد فعله عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وإن قلت‏:‏ اشتر لي سلعة فلان امتنع؛ لأنه قراض على أن لا يشتري إلا سلعة معينة فإن نزل غرم مثل المال الذي قبض والسلعة له وينبغي أن يكون في هذا القراض أجيرا وقاله محمد، وإنما يغرم مثل ما قبض إذا اشترى ولم ينقد‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا يشتري بأكثر من رأس المال ليضمن ما زاد دينا في القراض؛ لأن سنة القراض ألا يشتري عليه بالدين فالربح حينئذ لك، وإن اشترى بأكثر من رأس المال ونقد فهو شريك بما زاد؛ لأنه ضم قراض إلى قراض، وإن كان الزائد دينا عليه لا على القراض، قوم بالنقد وشارك بالقيمة، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قوله إذا كان رأس المال ألفا فاشترى بألفين يكون شريكا، قال ابن لبابة‏:‏ معناه اشترى بالزائد لنفسه، ولو اشترى للقراض خيرت كما قاله في الكتاب، وقال فضل‏:‏ بل لو اشترى للقراض، ومعنى قوله شريكا‏:‏ أن لرب المال

الدفع‏.‏ قال ابن يونس وإذا اشترى بدين على القراض، قال محمد‏:‏ يكون ربح السلعة التي اشتريت بذلك خاصة وخسارتها له وعليه لضمانه قيمتها، ويمتنع أن يبتاع زائدا ويطلب منك الثمن على القراض لتعلق ثمنها بذمته عند الشراء، ويمتنع أن يشتري حتى يبيع ويوفيه؛ لأنه دين على القراض، قال محمد‏:‏ يمتنع الشراء بالدين على القراض والسلف علي أذنت فيه أم لا؛ لأنك تأخذ ربح ما ضمنه في ذمته، لا ربح مالك، قال ابن القاسم‏:‏ لو اشترى بمال القراض وهو في بيته واستلف ما نقد منك أو من أجنبي فنقد، ثم باعها واشترى بمال القراض فربح السلعتين وخسارتهما أو إحداهما في القراض، ويجبر خسارة إحداهما بالربح في الأخرى؛ لأنه كان يمكنه نقده عاجلا، وعن مالك‏:‏ إذا اشترى قراضا دينا عليه، قومت السلعة المشتراة بذلك الزائد، وأنكره سحنون بل يقوم الزائد كما ذكره في الكتاب؛ لأنه الذي حصلت به الشركة، قال اللخمي‏:‏ إن لم يكن مديرا فكما تقدم في التداين على القراض، والإجاز على أن يشتري بما ليس معه على النقد ليدفع من القراض؛ لأنه لا يستغني عن ذلك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا عجز بعض الثمن فأخذ من رجل قراضا فنقده بها لم أحب ذلك، لئلا يكون قد استغلاها، وإن سألك أن تنقد عنه ثمن سلعة ويكون قراضا بينكما امتنع؛ لأنه سلف للنفع ولك مالك والربح والخسارة له وعليه لفساد العقد، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إن لم يكن استغلاها إذا عجز بعض الثمن أجزته وأكرهه ابتداء، قال ابن حبيب‏:‏ إن انكشف أنه استغلاها رجع عليه

بالزيادة على قيمتها يوم الشراء دون يوم البيع، قال محمد‏:‏ لو كان أخذ مالك لينقده في سلعته على أنها قراض قبل أن يستوجبها وتجر، عليه ضمانها وإن لم يسمها جاز، كأصل القراض‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا قيم عليه بالعيب فحط أكثر من قيمته أو أقل أو اشترى من والده، فما كان نظرا بغير محاباة جاز، ولو اشترى بجميع المال عبدا فرده بعيب فرضيته منعت؛ لأن له حقا في جبر الخسارة بفضله، إلا أن يقول أنت إن لم ترض أترك القراض، ولو رضي هو بالعيب على وجه النظر، جاز لتفويض الأمر إليه دونك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا نقد الثمن بغير بينة فجحده البائع ضمن، وكذلك الوكيل، فلو علمت قبضه للثمن بإقراره، فلك تغريمها لتعديهما، إلا أن يدفعا المال بحضرتك؛ لأنه حينئذ برضاك فلا تعدي، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إن دفع الثمن قبل قبض السلعة، غرم قيمتها لتفريطه‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ لو قتل عبدا من القراض عبد لرجل فاختلفتما في القصاص والعفو على مال، قدم العافي وجعل المأخوذ قراضا موضع العبد؛ لأنه أقرب لوضع القراض، وقال ‏(‏ش‏)‏ إن لم يكن في المال ربح قبل القتل فلك القصاص لعدم حق العامل، وإن عفوت على مال، فهو موضعه للقراض،

وإلا فليس لك القصاص إلا برضاه، ولو قتله سيده، فقيمته في القراض، قال اللخمي‏:‏ إذا كان بعض المال واتفقا على القصاص جاز، ولا يحط من رأس المال كالذي يهلك منه، وإن طلبت القصاص والمقتول جميع المال ولا فضل فيه، وقال سيد القاتل‏:‏ أفتدي أو أسلم قدمت؛ لأنك مالك، ولا حق للعامل حينئذ وإن كان في المقتول فضل، وقال سيد القاتل‏:‏ أفتدي أو في القاتل فضل وقال أسلمه، قدم العامل في عدم القتل لحقه في المال، ولا يقبل قول العامل في القصاص - كان فيه فضل أم لا، لاختصاص تصرفه بتنمية المال، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قوله في الكتاب‏:‏ لك القصاص إذا لم يكن في العبد فضل، قال ابن سلمة‏:‏ كيف يكون ذلك لك والعامل يتوقع ارتفاع سوقه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ تأمل قوله في الكتاب‏:‏ وهذا في القتل، فإنه يدل على أن الجراح بخلافه، قالوا‏:‏ لأن في القتل مفاصلة، وفي الجراح يبقى العبد بيد العامل فيكون القصاص تنقيصا لرأس المال ويجبره العامل بالربح‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ إذا تجر في القراض لنفسه ضمن الخسارة والتلف لتعديه، والربح على القراض إن كان التجر في وقت الإذن؛ لأن تعديه لا يملك الربح، وإلا فله، لتمحض الغصب، وإن أخذه ليعمل به في البلد في صنف بعينه وأمكنه العمل فيه فاشترى غيره فالربح على القراض، والقياس على الأقل من المسمى أو قراض المثل نظرا للعقد، ولكونه عمل على غير المسأجر عليه، وإن تجر لنفسه حين تعذر التجر في ذلك الصنف؛ فالربح له لانتفاء الإذن بالتعذر،

وإن تجر في ذلك الصنف وباعه واشترى غيره وكان أخذه للمال على وجبة واحدة وربح، فالصفقة الثانية له إلا أن يحسبه عنك فيكون له كالغصب، وإن أخذه ليشتري به من البلد الذي يخرج إليه فاشترى قبل خروجه وباعه هناك؛ فالربح والوضيعة له وعليه؛ لانتفاء الإذن من الشراء، وإن قارضته ليشتري عبد فلان فسد العقد، فإن اشترى غيره لنفسه بعد امتناع سيد العبد من بيعه، فالربح له؛ لانتفاء الإذن والتمكن، وإن كان قبل طلبه ويعلم أنه يبيعه، فالربح للقراض؛ لأنه لا يأخذ الربح بتعديه مع إمكان المأذون فيه‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يمتنع بيع أحدكما عرض القراض قبل، أو أن يبيعه ويرد؛ لأنه مناقض لمقصود القراض، فإن فات به المشتري مضى بالثمن، قال والقياس إن يغرمك العامل ما يتوقعه من الربح إن بعت‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا اشترى من يعتق عليه عالما بذلك مليئا، عتق عليه وغرم رأس المال لك وحصتك من الربح؛ لأن بعلمه دخل على التزام المال، ولملئه ينفذ عتق قريبه عليه، وإن لم يعلم وفيه فضل فكذلك؛ لأنه يملك بعضه بحصته من الربح فيكمل عليه، فإن لم يكن فيه فضل لم يعتق وبيع، أو فيه فضل ولا مال للعامل عتق بقدر حصته لملكه إياها، وبيع الباقي إذ لا تكميل على معسر علم أم لا وإن اشترى أباك ولم يعلم عتق عليك لدخوله في ملكك لقوله عليه السلام‏:‏ من ملك ذا رحم محرم عتق عليه - ولك ولاؤه، وتغرم حصته

من الربح إن كانت، وإن علم وهو مليء عتق عليه؛ لضمانه بالتعدي على إفساد المال بإدخال قريبك في ملكك والولاء لك لعتقه على ملكك ويغرم لك ثمنه، فإن لم يكن له مال بيع منه بقدر رأس المال وحصتك من الربح صونا لمالك عن إفساد العامل له؛ إذ لا غرم عليه لعسره وعتق عليه قدر حصته؛ لأنه مليء قال ابن يونس‏:‏ يعتق عليه قريبه إذا كان مليئا علم أم لا كان فيه فضل أم لا؛ لقيام الشبهة فقد يكون علم بذلك فكتمه، فيتهم في بيع قيمة ولائه؛ لأنه لو وطئ أمة من القراض فحملت منه فهي أم ولد في القراض فضل أم لا، وابن القاسم لا يعتبر هذه الشبهة، والفرق أن العتق إحسان فلا يتشاحح فيه، والوطء انتفاع فتشوحح فيه، كما أن نفقة القريب لا تجب مع الإعسار، بخلاف نفقة الزوجة؛ لأن الأول معروف والثاني معاوضة ولو كان معسرا وفيه فضل ولم يوجد من يشتري بعضه إلا ببخس عن قيمة الجملة لدخول العتق فيه، بيع كله وأخذت نصيبك وجعلت نصيبه في رقبة أو يعين بها، كمن أعتق وعليه دين وفي العبد فضل، وعن ابن القاسم إذا اشترى أباك عالما وهو معسر وفيه فضل عتق الجميع واتبع في ذمته؛ لأنه عتق بالعقد، فإن تنازعتما بعد الشراء صدق العامل؛ لأنه غارم قال صاحب النكت‏:‏ قيل‏:‏ إذا اشترى أبا نفسه وهو عالم أم لا وفيه فضل خمسون ولا مال له، فيباع لرب المال بقدر رأس ماله، ويبقى نصف ما بقي مملوكا لرب المال والنصف الآخر على العامل، كشخص في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه معسرا، قال اللخمي‏:‏ وعن أشهب إذا اشتري أبا نفسه معسرا غير عالم ولا فضل فيه عتق، وعتقه إذا كان فيه فضل وهو موسر غير عالم بالقيمة كانت أكثر من الثمن أو أقل؛ لأن مصيبته من صاحب المال، فله ربحه

وعليه وضيعته، والقيمة في جميعه يوم الحكم، ولا يعتبر قيمة نصيب الولد من الربح يوم شرائه ويكون الاستكمال لصاحب المال يوم الحكم؛ لأنه يؤدي إلى تبدئة العامل عليك قبل وصول مالك إليك، وقد يهلك العبد قبل التقويم، فلو اعتبرت القيمة في نصيب العامل أخذ ربحا ولم يصل إليك، وكذلك إن لم يهلك وتغير سوقه بنقص لم يقف العامل على جزئه من الربح يوم الشراء، فقد يكون الباقي كفاف رأس المال، فيكون أخذ ربحا دونك، وإن اشترى غير عالم، فعليه الأكثر من الثمن أو القيمة يوم يقام عليه؛ لأنه متعد بالشراء، وإن علم أنه ولده وجهل الحكم وظن جواز ملكه عتق بالقيمة، وهلاكه قبل النظر فيه من صاحب المال، إلا قدر ما ينوب العامل من الربح، فإن كان معسرا وفي المال فضل بيع بقدر رأس المال ونصيبه من الربح وعتق الفاضل عليه‏.‏

تمهيد‏:‏ مذهبنا هاهنا مبني على خمس قواعد، أحدها‏:‏ أن من ملك أصوله أو فصوله عتقوا عليه وفي غيرهم خلاف، وثانيها‏:‏ أن العلم بان مشتراه قريبه يقتضي ظاهر حاله أنه التزم ثمنه برا به وإلا فالطباع تميل إلى امتهان الأجانب بالملك دون الأقارب؛ فمخالفة الطبع تدل على ذلك‏.‏ وثالثها‏:‏ أن المليء إذا أعتق شقصا بالإنشاء أو عتق عليه بالملك كمل عليه للحديث‏.‏ ورابعها‏:‏ أن كل ما يشتريه يقع على ملكك صلح للتنمية أم لا لظاهر التفويض إليه‏.‏ وخامسها‏:‏ أن التسبب في الإتلاف يوجب الضمان، فإذا تسبب بإدخال قريبك في ملكك ضمن، ومعنى قول الأصحاب عتق على العامل معناه‏:‏ الغرم عليه، وإلا فالعتق عليك، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا اشترى من يعتق عليك بعين مال القراض بطل الشراء، أو في الذمة صح ولا يعتق؛ لأنه على ملكه، فإن دفع من مال القراض ضمنه؛ لأن مقصود القراض التنمية فلا يقبل ما يبطلها، وإن اشترى من

يعتق عليه وليس في المال ربح، فالشراء ماض للقراض لعدم التعدي عليك، أو فيه ربح، وقلنا‏:‏ لا يملك بالظهور صح أيضا، ولو قلنا‏:‏ يملك لم يصح الشراء لمناقضة مقصود القراض، فهذا تفريع ‏(‏ش‏)‏ وقواعده‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا وطئ العامل أمة من المال فحملت وله مال ضمن قيمتها وجبر بها رأس المال للشبهة في المال من حيث الجملة‏.‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ قيل معناه‏:‏ اشتراها للقراض وتعدى في الوطء، وقيل‏:‏ لا فرق وتلزمه القيمة إن كان موسرا، وإلا بيعت واتبع بقيمة الولد إن لم يكن في ثمنها فضل عن قيمتها، وهذا أصل لمالك، وقول ابن القاسم ضعيف عندهم، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ عليه الأكثر من قيمتها يوم الوطء أو يوم الحمل أو الثمن؛ لأنه رضي بالثمن، والحمل والوطء سبب إتلاف، فله اعتبار أيهما شاء‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وإن لم يكن له مال اتبع بقيمتها يوم الوطء‏.‏ ولا يقبل قوله في عدمه أنه إنما اشتراها للقراض؛ لاتهامه في الإقرار ببيع أم ولده وبدفع الدين عن ذمته، فإن شهدت بينة بذلك، بيعت في عدمه وإن لم تحمل - وهو عديم، بيعت فيما يلزمه من القيمة، وعن مالك‏:‏ إن حملت وهو عديم ولا ربح فيها تباع إذا وضعت فيما يلزمه من الدين؛ لأن الدين مقدم على العتق، ويتبع بقيمة الولد يوم وضعته إلا أن يكون فيه فضل فيباع منها بقدر رأس المال وقدر حصة ربه من الربح، والباقي أم ولده، قال ابن القاسم‏:‏ وان استلف من مال القراض ثمن الأمة فحملت،

أخذ منه الثمن في عدمه وملائه؛ لأنه دين عليه، قال ابن حبيب‏:‏ سواء وطئها من القراض أو اشتراها لنفسه من مال القراض فتحمل فإنه يرد الأكثر من ثمنها أو قيمتها يوم الوطء؛ لأنه متعد في تسلف ذلك، ولنا ملاحظة تقديرها في القراض، إلا إن كان فيها فضل عن الثمن بيع بقدر الثمن وحصتك من الربح ووقف نصيبه منها لعله ييسر فيشتري باقيها وتبقى أم ولد له، وإن لم يكن فيها فضل بيعت كلها في الثمن، فإن لم توف اتبع بتمامه، والولد في ذلك كله لا شيء فيه لضمانها بالوطء، فالولد نشأ على ملكه، وتسوية ابن حبيب بين ما يشتريه لنفسه وجارية القراض ضعيف، وقوله‏:‏ لعله ييسر فيشتري باقيها فتكمل أم ولد، إنما تكون أم ولد إذا أولدها ثانية، وقوله ليس عليه في الولد شيء فيه خلاف‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا أعتق من القراض عبدا جاز؛ لأنه التزمه ويغرم لك رأس مالك وحصتك من الربح إن كان مليئا، وإلا بيع بقدر رأس المال وحصتك من ربحه وعتق الباقي، ولو أعتقته أنت جاز وضمنت حصة العامل‏.‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ قيل معناه‏:‏ من الثمن أو القيمة لزم العتق، وكذلك الجواب في الجارية يطؤها فتحمل، قال اللخمي‏:‏ يعتق بالقيمة على العامل إذا اشتراه للقراض وهو موسر، وإن اشتراه لنفسه فالأكثر من الثمن والقيمة يوم العتق، فإن كان معسرا رد العتق إلا أن يكون فيه فضل فيعتق الفضل‏.‏ وقال غيره‏:‏ إنك بالخيار في إمضاء عتقه ورده - وإن كان موسرا إلا أن يكون فيه فضل فينفذ العتق لنصيبه فيه‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ مسائل هذا الباب أربع‏:‏ من يعتق عليه أو عليك، أو

يعتق عبدا أو جارية من القراض، أو يطؤها فتحمل، وشراؤه من يعتق عليه - فيه ثمان مسائل‏:‏ أربع في العالم، وأربع في غير العالم؛ لأن العالم الموسر إما مع الربح أو عدمه، والعالم المعسر إما مع الربح أو عدمه، وكذلك غير العالم؛ فالعالم الموسر مع الربح يعطي رأس المال وحصتك من الربح يوم الحكم إلا أن يكون الثمن أكثر من الثمن يوم الحكم فيعطيك مالك وحصتك من الربح من الثمن لرضاه بالثمن عند الشراء فلك أخذه بالأكثر، وقال المغيرة‏:‏ يعتق عليه قدر حصته، وتقوم عليه حصتك يوم الحكم، وأما العالم الموسر ولا ربح يعطيك الأكثر من القيمة يوم الحكم والثمن؛ لأن علمه يقتضي رضاه بالثمن، وقال المغيرة‏:‏ لا عتق لعدم الفضل، ويباع ثمنه لك، وأما العالم المعسر مع الربح، فقوله في الكتاب يباع بقدر رأس المال وربحك - يريد يوم الحكم ويعتق ما بقي إن كان مثل القيمة يوم الحكم، أو أقل، وأما الأكثر من القيمة يوم الحكم فتتبعه بما يجب لك من الزائد في ذمته نحو شرائه بمائتين ورأس المال من ذلك مائة، وقيمته يوم الحكم مائة وخمسون، فيباع لك منه بقدر رأس مالك وحصتك من الربح يوم الربح، وذلك مائة وخمسة وعشرون، وبيعه بخمسة وعشرين؛ لأن الواجب لك من المائتين مائة وخمسون، وإن أردت فخذ من العبد برأس مالك وحصتك من الربح يوم الحكم على ما يساوي جملة؛ لأنه أوفر لنصيبه الذي يعتق به لضرر الشركة في البيع، وليس لك الأخذ بما يباع به لو بيع، وأما العالم المعسر مع عدم الربح فلا يعتق عليه ويتبع بالثمن إلا أن يشاء، فيباع ويدفع الثمن لك إلا أن يكون ثمن الشراء أكثر، فله اتباعه بالزائد لعلمه بذلك عند الشراء، وأما غير العالم المعسر مع الربح يقوم عليه سائره يوم الحكم، كعتق أحد الشريكين

وهو موسر وهو مراده في الكتاب، ولم يخالف المغيرة هاهنا بل مع العلم‏.‏ وأما غير العالم الموسر مع عدم الربح فيباع ويدفع لك مالك، وكذلك المعسر، وأما غير العالم المعسر مع الربح يباع منه بقدر رأس مالك وحصتك من الربح يوم الحكم، وبعتق الباقي ولك الأخذ منه بقدر رأس مالك وحصتك على ما تساوي جملته؛ لأنه أوفر للعتق، وليس لك الأخذ بما كان يباع منه، قال‏:‏ وأما شراؤه من بعتق عليك ففيه ثمان مسائل كما تقدم، فالعالم الموسر مع الربح يوم الشراء يعتق، فإنه يعتق عليه ويعطيك رأس مالك وحصتك من الربح إن كان فيه ربح يوم الشراء، وإلا فالثمن الذي اشتراه به -وإن كانت قيمته أكثر لعدم الربح بالعتق عليه، وأما المعسر مع الربح يوم الشراء يباع منه لك برأس مالك وحصتك من الربح، وإن فضل شيء عتق، وإن لم يساو إلا أقل من ذلك بيع جميعه لك واتبعه بما نقص من رأس مالك وحصتك، وأما غير العالم فإنه يعتق عليك وتقوم حصة ربحه يوم الشراء عليك كعتق أحد الشريكين إن كان ربح، فإن لم يكن لك مال بقي حظه رقيقا - كان العامل مليئا أم لا، ومعنى قوله في الكتاب عتق عليك - يريد يوم الشراء، وقوله يدفع للعامل حصة ربحه - يريد به يوم الشراء، وقوله إذا اشترى قريبك عالما يعتق عليه ويؤخذ منه الثمن يريد وإن كانت القيمة أكثر من الثمن المشترى به؛ لأنك لا تربح فيمن يعتق عليك، بخلاف إذا اشترى من يعتق عليه وهو عالم، فإن اشترى من يعتق عليك وكان ربح الشراء نحو رأس المال مائة قبل فيصير مائتين فيشتري بهما فلا يؤخذ منه جميع الثمن بل مائة وخمسون رأس المال وحصتك من الربح‏.‏ وقوله في الكتاب‏:‏ إن لم

يكن له مال بيع وأعطيت رأس مالك وحصتك من الربح، يريد الربح يوم الشراء نحو رأس المال مائة فصار مائتين، فاشتراه بهما وهو عالم معدم فيباع بمائة وخمسين ويعتق الفاضل، كان ربع العبد أم لا؛ لأنه إن يساوي أكثر لم يمكن أن يباع لك بأكثر من ذلك؛ لأنه الذي يعدى عليه من مالك، ولأنه تعذر ملكه لك فتعذر ربحه، وإن ساوى أقل، بيع ولو جميعه لعدو أن العامل عليك في ذلك القدر، وإن ساوى أقل اتبعته، وهو معنى قوله في الكتاب‏:‏ وفي شرائه من يعتق عليك وهو عالم ستة أقوال‏:‏ قول الكتاب يعتق عليه إن كان له مال وإلا بيع ويعتق عليك في كتاب الرهون ما يقتضيه، وفي كتاب العتق ما يقتضي أن البيع لا يجوز، وعن ابن القاسم‏:‏ لا يعتق على واحد منكما، وعن مالك أنه يضمن الثمن وله العبد‏.‏ والسادس‏:‏ يخير بين أخذه فيعتق عليك وللعامل فضله إن كان، وبين تضمينه لتعديه، فإن لم يعلم فقولان في الكتاب يعتق عليك، وعن ابن القاسم لا يعتق على واحد منكما، وأما إن أعتق رقيقا من القراض، فإن اشتراه للعتق عتق وغرم لك رأس مالك وحصتك، وإن اشتراه للقراض موسر فقيمته يوم العتق إلا حصة الربح، وعلى قول الغير في المدونة وهو المغيرة إن كان ربح عتق نصيبه وقوم عليه نصيبك، وإن لم يكن ربح، لم يعتق عليه منه شيء وهذا إن اشتراه بجميع المال، وإلا إن اشتراه ببعضه عتق عند ابن القاسم، وجبر القراض من ماله بقيمته يوم العتق - إن اشتراه أو الثمن إن اشتراه خلافا للمغيرة، وأما المعسر فلا يعتق عليه شيء إلا أن يكون فيه فضل فتعتق حصته ويباع الباقي لك، وأما إذا اشترى جارية للقراض فأحبلها موسرا جبر القراض بقيمتها يوم الوطء، أو معسرا ولا فيها فضل بيعت واتبع بقيمة الولد، أو فيها فضل فقيل‏:‏ تباع لك برأس مالك وربحك، والباقي أم ولد له، وقيل‏:‏ كالأمة

بين الشريكين يطؤها أحدهما فيحبلها ولا مال له على الاختلاف المعلوم في ذلك، وإن اشترى للوطء فأحبلها، قال ابن القاسم مرة عليه الثمن ومرة قال‏:‏ عليه القيمة فيجبر بها القراض إن كان له مال وإلا بيعت، وهذا إن لم يكن فيها فضل، فإن كان فعلى الاختلاف المتقدم، قال‏:‏ هكذا حكى الاختلاف بعض أهل النظر، قال‏:‏ والذي أراه أن الاختلاف في بيعها - إذا حملت وهو معدم، إنما هو إذا اشترى ووطئ ولم يعلم أكان اشتراها للقراض أو لنفسه أو استلف من القراض، فحمله مالك على القراض دون السلف فباعها في القيمة إذا عسر، وحملها ابن القاسم على السلف فقال‏:‏ لا تباع أما إذا علم شراؤها للقراض ببينة تباع اتفاقا فيما لزمه من القيمة، أو شراؤها لنفسه من القراض فلا تباع ويتبع بالثمن المشترى به اتفاقا‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر قال ابن القاسم‏:‏ إذا كاتب عبدا من القراض، فله رده وما قبض منه كالغلة، قال أحمد بن ميسر‏:‏ مالم يؤد عنه أجنبي ليعتقه، فإن أجزت عتقه فلا شيء له من ولائه، إلا أن يكون فيه فضل فبقدر حصته، وليست الكتابة كالعتق في الرد لنفوذ عتق الوصي لعبد يتيمه، وتلزمه القيمة ولا تنفذ كتابته، وقال الأبهري‏:‏ إذا اشترى جلودا فبارت عليه فقطعها خفافا فليستأجر عليها ولا يعملها هو أخذ أجرة أم لا قاله مالك؛ لأنه إن أخذ فهي إجارة وقراض، وإلا فذلك كزيادة اشترطها، وعن مالك له الأجرة؛ لأن أثر صنعته موجود‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ يمتنع خذ هذا القراض على أن يخرج مثله ويكونا شريكين؛ لأن القراض لا يضم إلى عقد الشركة خلافا للشافعية، فإن اشتركتما بعد العقد جاز‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ معه مائة قراض اشترى بمائتين إحداهما مؤجلة فباع بربح‏.‏ اقتسما الربح على المائة القراض وقيمة المؤجلة إن لو كانت عروضا إلى ذلك الأجل‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ لا يملك العامل حصته بالظهور بل بالقسمة، وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ خلافا لأبي حنيفة؛ لأن سبب الاستحقاق العمل، فلا يستحق إلا بعده وهو المشهور، وعن مالك بالظهور؛ لأنهما شريكان، وفي الجواهر المشهور له حق مؤكل يورث عنه، ولو أتلف المالك أو أجنى المال غرم حصته، ولو كان في المال جارية حرم على المالك وطؤها، وعلى الشاذ يملك بالظهور ملكا مزلزلا؛ لأنه وقاية لرأس المال عن الخسارة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا باع سلعة بثمن إلى أجل بإذنك، امتنع شراؤك إياها نقدا بأقل من الثمن سدا للذريعة‏.‏

فرع‏:‏ في المقدمات في اشتراط أحدكما زكاة ربح المال أربعة أقوال‏:‏ جوزه ابن

القاسم منكما في المدونة لرجوعه إلى جزء معلوم، ومنعه من كليكما، ويجوز لك دون العامل، وعكسه مخرج غير منصوص على القول بأن المشترط يدفع المشترط عليه بالغرر إنما يكون في اشتراطك دونه، فإن وجبت الزكاة نقص نصيبه، وإلا فلا، وأما اشتراطه عليك فيكون لك الفضل مطلقا‏.‏ والثالث يتخرج على القول بأن المشترط يكون لمشترطه إن لم يكن في المال زكاة، ويتخرج الثاني على القول بأنه يكون بينكما إن لم تكن زكاة فيحصل الغرر بالتقديرين، وحمل قول المدونة على الأغلب من أن النضوض لا تكون قبل الحول، وإن كان المال دون النصاب، فالغالب كما له، وفي المنتقى يمتنع اشتراط زكاة المال عليه بخلاف زكاة ربحه؛ لأنها قد تستغرق حصته، ويجوز اشتراط زكاة المال عليك، فإن شرط زكاة المال عليك من رأس مالك منعه ابن القاسم للجهالة، وقيل‏:‏ يجوز لرجوعه إلى جزء معلوم‏.‏

فرع‏:‏ في المنتقى إذا قام غرماؤه عليه ببلد غائب عنك لا يباع لهم ليأخذوا من الربح؛ لأن أخذه إنما يكون بعد المقاسمة، أو قام غرماؤه والمال عين، قضي الدين ودفع له حصته من الربح – قاله‏:‏ مالك أو سلع لم يحكم بالبيع حتى يرى له وجه لتعلق حقه بالقراض‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر إذا نض المال بخسارة أو ربح امتنع عند ابن القاسم أخذ قراض آخر - لا على الخلط ولا على الانفراد كان الجزء متفقا أو مختلفا للتهمة،

وأجازه غيره بثلاثة شروط‏:‏ وجود الربح لئلا يتهم على التمادي للتنمية وموافقة الجزء، لئلا يزيد أو يضع للتمادي على القراض، وعدم الخلط ليبرأ من التهمة في القراض الأول‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا عامل عاملا آخر بغير إذنك فإن اتفق الجزآن فالربح بين العامل الثاني وبينك ولا شيء للأول لعدم عمله، وإن اختلفا فكان الأول أكثر من الثاني، فالزائد لك أو أقل فلك شرطك عملا بالعقد، ويرجع الثاني على الأول، وقيل للثاني‏:‏ حصته كاملة وترجع أنت على الأول بباقي حصتك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ أخذ ألفين فتلفا بعد الشراء وقبل النقد فأخلفتهما، فرأس المال ما أخلفته خاصة وإن لم تخلفهما فالسلعة على ملكه؛ لأنه المباشر والعهدة عليه، وقال المغيرة‏:‏ تجبر على الخلف؛ لأنك أدخلته في العقد، ولو تلف أحدهما قبل الشراء فعمل في البقية فرأس المال ألفان، وإن اشترى بألفين فتلف أحدهما قبل النقد فعوضته فرأس المال ثلاثة آلاف؛ لأنه زيادة على ما استحقه عقد الشراء، فإن امتنعت عوض العامل وشارك بالنصف ولو تسلف نصف المال فأكله، فرأس المال الباقي لضمانه المتسلف ولا ربح للمتسلف ولو ربح في مائة فأنفق مائة تعديا ثم تجر بمائة فربح، فمائة في ضمانه وما ربح أولا وآخرا بينكما، ولو ضاع ذلك ولم يبق إلا المائة التي في ذمته ضمنها ولا ربح؛ إذ لا ربح إلا بعد رأس المال، فإن اشترى بالمال وهو مائة عبدا يساوي مائتين فجنيت عليه ما ينقصه مائة وخمسين،

ثم بيع بخمسين فعمل فيها فربح أو خسر لم تكن جنايتك قبضا لرأس مالك وربحه حتى تحاسبه وتفاصله وإلا فذلك دين عليك مضاف لهذا المال‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر إذا ترك صاحب المركب الأجرة وقال صاحب المال‏:‏ أولاني خيرا اختص الكراء بك إن لم يعلم صاحب المركب أن المال قراض أو علم وقال‏:‏ ما تركها إلا لرب المال وهو مصدق؛ لأنه اعلم بنيته، وإن قال‏:‏ تركتها مكافأة ولم يقل‏:‏ لك فهي بينكما على قراضكما‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب المنتقى صفة القسمة أن تأخذ من العين مثل ما دفعت أو تأخذ به سلعا إن اتفقتما على ذلك ثم تقتسمان الباقي عينا أو سلعا – قاله‏:‏ مالك وإن كان ديونا بإذنك فسلمها إليك جاز‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا تفاصلتما خلي للعامل مثل خلق القربة والجبة والأداة والغرارة ونحو ذلك وماله باع فيباع‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر منع مالك أخذ القراض ليعطيه لغيره؛ لأنك لم تستأمن الثاني، وأجاز ابن القاسم بعد أخذ القراض أن يبضع بإذنك، بخلاف قبل أخذه لنفسه فيمتنع اشتراط ذلك عليه؛ لأنه إجازة وقراض‏.‏